و بذلك تبيّن أن شراء أسهم الشركة و ما ماثلها أمر واضح التحريم ليس فيه اشتباه و لله الحمد.
و يحسن أن أنبه إلى أمور:
# الأول: ينبغي ألا يُخلط بين هذه المسألة – أعني شراء أسهم شركة الاتصالات و ما ماثلها – و بين معاملة من اختلط في ماله الحلال و الحرام فهذه مسألة أخرى فمعاملة من أختلط في ماله الحلال و الحرام تعني شراء سلعة منه أو استئجارها أو الاقتراض الحسن منه أو الأكل عنده أو الاستعارة منه أو قبول هديته و نحو ذلك فهذا كله جائز ما لم يعلم أن الشيء المقدم في المعاملة حرام بعينه.
لكن لا يجوز الاشتراك معه في أعمال محرمة و يمكن التمثيل لمن اختلط الحلال و الحرام بماله بشركة الاتصالات نفسها بالنسبة لمريد خدمة الهاتف أو الجوال أو نحوهما من خدمات الشركة التي تقدمها للناس ما لم يعلم أنها محرمة فهذه الخدمات يجوز شراؤها و استئجارها و نحو ذلك.
لكن لا يجوز الدخول مع الشركة في معاملاتها المحرمة و كل من ملك من أسهمها فقد شارك في معاملاتها المحرمة.
# الثاني: قلة المداخيل المحرمة لشركة الاتصالات أو كثرتها لا يغير من الحكم شيئاً فالحرام حرام قلّ أو كثر قال صلى الله عليه و سلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه الإمام أحمد و صححه الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، و لكن كلما كثر الحرام كان الإثم أعظم.
علماً أن عوائد الشركة من المعاملات المحرمة ليست قليلة كما يعلم من موقعها على الإنترنت و قد بلغت عوائد الربا في القروض طويلة الأجل للسنتين 2000م و 2001م أكثر من (1400 ميلون ريال)!! فإذا كانت هذه هي العوائد فكم كانت القروض المستثمرة في هذا المجال الخبيث؟!!
# الثالث: ينبغي إذا أُريد معرفة نسبة ما يقسم على المساهمين من العوائد المحرمة إلى غيرها أن ينظر إليها بالنسبة إلى أرباح الشركة لا إلى أصولها العامة فالأرباح هي التي توزع على المساهمين لا الأصول.
# الرابع: القول بأن المساهم في الشركة إذا أخرج نسبة معينة تبرأ ذمته و يتخلص من الأثم قول فيه نظر من وجوه:
(أولاً): أن مجرد الإقدام على إبرام العقد المحرم كالربا أو القمار أمر محرم و لو نوى أن يتركه و قد لعن النبي صلى الله عليه و سلم " آكل الربا " و " موكله " و " كاتبه " و " شاهديه " و قال (هم سواء) رواه مسلم.
فانظر كيف لعن النبي صلى الله عليه و سلم الشاهدين و جعلهما مساويين لآكل الربا مع أنهما قد لا يحصلان على درهم واحد و ذلك و الله أعلم بسبب الرضا بهذا العقد الخبيث و الإعانة على وقوعه و إتمامه.
(ثانياً): أن أخذ الفوائد الربوية من أصحابها أخذ لها بالباطل، و لو كان ذلك بموافقتهم، و الإقدام على أخذ المال بالباطل أمر محرم و لو نوى التخلص منه و قد ذم الله تعالى اليهود على أخذهم الربا و أكلهم أموال الناس بالباطل قال تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا # وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) و أخذهم الربا أعم من أكله.
(ثالثاً): لا ينبغي للمسلم أن يقدم على العقود المحرمة ثم يقول سأتخلص منها ولو قيل بهذا لانفتح على المسلمين باب من الشر عظيم و قاعدة سد الذرائع الثابتة في الشريعة توجب سد مثل هذا الباب.
(رابعاً): قال الله تعالى في آيات الصيام بعد أن ذكر بعض المنهيات (تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) فأمر تعالى عباده المسلمين باجتناب الحرام و عدم الاقتراب منه لأن الإنسان لا يدري إذا وقع في الحرام أيتلخص و يتوب أم لا، و ربما ينفتح له باب التأويل الذي قال عنه الإمام أحمد: أكثر خطأ الناس من جهة التأويل و القياس.
و ربما مات، و ورثها من لا يقيم وزناً للحلال و الحرام و قد قال صلى الله عليه و سلم (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال؛ أمن حلال أم من حرام) رواه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
¥