تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أهل الحديث]

ـ[الجندى المسلم]ــــــــ[19 - 10 - 04, 03:41 ص]ـ

[أهل الحديث]

جاءني عطاء الله السمرقندي، فبات عندي، وكان أحد المحدثين، ويكره الُمحْدِثين في الدين، فقلنا: أيها الإمام، عليك السلام: الوقت حثيث، فحدثنا عن علم الحديث، فتأوّه ثم قال: مات حفاظه، فكادت تنسى ألفاظهُ،، وأهل الحديث هم الركب الأخيار، أحباب المختار، قوم تصدقوا بالأعمار على الآثار، وقضوا الحياة في الأسفار، لجمع كلام صفوة الأبرار.

شدّوا العمائم، وجدّوا في العزائم، وتسلحوا بالصبر الدائم، فلو رأيتهم وقد فتحوا الدفاتر، وقربوا المحابر، وكتبوا: حدثنا مسدّد بن مسرهد، أو رواه أحمد في المسند، أو أخرجه البخاري، وشرحه في فتح الباري، لهانت عندك الدنيا بما فيها، وركبت سفينة الحديث وناديت باسم الله مجراها. ولأقبلت على العلم والكتب، وهجرت اللهو واللعب، واللغو والطرب.

يفوح من فم المحدث المسك التِّبتي، لأن عليه سيماء (نضَّر الله، امرأً سمع مني مقالتي) أنفاس المحدثين تنضح بالطيب، لأنها حملت اسم الحبيب.

بنفسي ذاك المحدث إذا جلس على الكرسي، وقد حف به الطلاب، ونشر الكتاب ثم قال: حدثنا محمد بن شهاب، عندها يرتحل قلبك، ويكاد يطير لبك، شوقاً لصاحب التركة، لما جعل الله في كلامه من البركة. فتصبح الدنيا رخيصة مرفوضة، لا تساوي جناح بعوضة، وتشتاق النفوس إلى الجنة، لما غشيتها أنوار السنة.

أما أخبار المحدثين في الأسفار، وقطع القفار، وامتطاء البحار، وركوب الأخطار، فقد حفلت به الأسفار. ولكنهم في سفرهم يقرؤون كتاب الكون، في كل حركة وسكون، فإن المحدث يجد المتعة في ارتحاله، والبهجة في انتقاله، من ناد إلى ناد، ومن جبل إلى واد، فهو يعب من المناهل، ويسرح طرفه في المنازل، ويطلق بصره إلى دساكر الأقطار وغياضها، وحدائق الديار ورياضها، فيلمح عجائب البلدان، ويتصفح غرائب الأوطان، ويأنس بنغم الطيور في كل بستان، فهو في تنقل بين حيطان وغيطان، ووديان وأفنان وألوان، تمر به الصور والمشاهد، ويبيت في المساجد، ويعب الماء النمير، من كل غدير، له في كل بلدة أصحاب، وله في كل قرية أحباب.

يفترش الغبراء، ويلتحف السماء، سلم في سفره من أذى الجيران، وضوضاء الصبيان، والثقيل من الإخوان، ينام على الثرا، في العرا، خارج القرى، مركوبه رجلاه، وخادمه يداه، البسمة لا تغادر محياه.

كان المحدِّث إذا ودّع أولاده، وترك بلاده، وحمل زاده، يجد من راحة البال، وطيب الحال، ما يفوق فرحة أصحاب الأموال، وما يربو على سرور من ملك الرجال.

قيل للفلاسفة: من سندكم؟ قالوا: ابن سينا عن سرجيس بن ماهان، عن أرسطاليس من اليونان.

وقيل لعلماء الكلام: من سندكم؟ قالوا: محمد بن الجهم من خراسان، عن الجهم بن صفوان.

وقيل للمحدثين: من سندكم؟ قالوا: طاووس بن كيسان، عن ابن عباس ترجمان القرآن، عن الرسول سيد ولد عدنان، عن الرحمن.

إذا جمع بعضهم كلام الفلاسفة، أهل الزيغ والسفه، الذي يورث الجدال والمعاسفه، جمع المحدثون كلام الذي ما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

وإذا تفاخر أحدهم بجمع كلام علماء الكلام، أهل الشقاق والخصام، والفرقة والخصام. تفاخر المحدثون بحديث خير الأنام، أزكى من صلى وصام، وحج بالبيت الحرام. قال الشافعي: إذا رأيت محدثا فكأني رأيت أحد أصحاب محمد، قلت: لأن نهجهم مسدد، وعلمهم من الله مؤيد.

أنا لا أريد سَنَدي من إيوان كسرى أنو شروان، ولا من الرومان، ولا من اليونان، أريد سندي عن سفيان، أو سليمان بن مهران، أو سلمان عن رسول الإنس والجان.

تعلمني كلام الناس بلا دليل، ولا تأصيل، وتقول هذا كلام جميل، وعندي التنزيل؟

الحديث النبوي كلام، لم يخمر في عقول فلاسفة اليونان، ولم يتعفن في أدمغة فلان وفلان، ولم يأت من أهواء أهل الطغيان. وإنما قاله من أتى بالقرآن، تقرأ استنباط أهل الفهوم، وتطالع كتب أرباب العلوم، ثم تتلو حديث المعصوم، فإذا ماء الوحي يترقرق في جنباته، ورحيق العصمة يتدفق في قسماته، فكان كل علم قرأته قبله نسي وانتهى، لأنه لا يقاوم كلاماً أتى من عند سدرة المنتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير