3 ـ القاضي العلامة محمد بن حسن الشجني الذماري، ألف في ذلك كتاباً حافلاً سماه: " التقصار في جيد زمن علامة الأقليم والأمصار ".
والواضح في حياة " الشوكاني " أنه بدأ حياته منقبضاً عن الناس، لايتصل بأحد منهم، إلا في طلب العلم ونشره، ولا سيما هؤلاء الذين يحكمون أو يتصلون بالحاكمين، وكان يرسل فتاويه، ويصدر أحكامه دون ان يتقاضى عليها أجراً.
وكانت حياته بسيطة متقشفة، يعيش على الكفاف الذي وفره له والده فلما تولى القضاء، وأجزل له الأجر، تنعم في مأكله ومشربه وملبسه ومركبه، وأضفى على تلاميذه وشيوخه مما وسع اللّه عليه به.
ويذكر بعض المؤرخين أن " الشوكاني " اختص بالكثير من الإقطاعات والصدقات، وهم يؤكدون أنه لم يترك من ذلك شيئاً، بعد عمل في القضاء دام أكثر من أربعين عاماً، بل كان ينفق ذلك كله في طرق الخير والبر. ومن المؤكد ـ كذلك ـ أن الدنيا لم تكن أكبر همه، وأن عرضها الزائل لم يكن يشغله عن الهدف الأسمى الذي وضعه لنفسه، وهو نشر دين اللّه تعالى وإحقاق الحق. ولذلك كان يقدر أهل العلم والفضل، الذين لايتكالبون على جمع حطام الدنيا، والتقرب إلى الحكام.
فيذكر بالتقدير والإجلال ذلك العالم الفاضل: " إسماعيل بن علي بن حسن " الذي كان يحضر مجلس الإمام ويقول: " لم أسمع منه على طول مدة اجتماعي به هناك مؤذنة بالخضوع لمطلب من مطالب الدنيا، لا تصريحاً و لا تلويحاً " (7).
وكان " الشوكاني " باراً بشيوخه وتلاميذه، فتح أمامهم أبواب العمل في الدوله، ودافع عنهم، وتشفع لهم عند الأئمة في كل أمر وقعوا فيه. وبالرغم من حدة ذكائه، وجودة ذهنه، وتشدده لآرائه واجتهاداته، لم يكن يحط من قدر علمه ليدخل في مهاترات المتعالمين، وكانت قسوته على الأفكار والآراء، لاعلى الأشخاص، لأنه كان يدرك أنه سبق هذا الجيل بأجيال، فترك ثروته العلمية والفكرية لتتفاعل مع الزمن، يكشف عن وجهها ما تبديه قرائح العلماء " (8).
وبالجمله: فمحل القول في هذا الأمام ذو سعة، فإن وجدت لساناً قائلاً فقل:
زد في العلا مهما تشا رفعة ... وليصنع الحاسد ما يصنع
فالدهر نحوي كما ينبغي ... يدري الذي يخفض أو يرفع (9)
* عقيدته:
يرى " الشوكاني " أن طرق المتكلمين لاتوصل إلى يقين، ولا يمكن أن تصيب الحق فيما هدفت إليه، لأن معضمها ـ كما يقول ـ قام على أصول ظنية، لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل، والفريه على الفطرة.فكل فريق منهم قد جعل له أصولاً تخالف ما عليه الآخر، وقد أقام هذه الأصول على ما رآه عنده هو صحيحاً، من حكم عقله الخاص المبني على نظره القاصر، فبطل عنده ما صح عند غيره، وقاسوا بهذه الأصول المتعارضه كلام اللّه ورسوله في الإلهيات وما يتصل بها من العقائد، فأصبح كل منهم يعتقد نقيض ما يعتقده الآخر (10).
ثم جعلوا هذه الأصول معياراً لصفات الرب تبارك وتعالى، فأثبتوا للّه تعالى الشيء ونقيضه، ولم ينظروا إلى ما وصف اللّه به نفسه، وما وصفه به رسوله، بل إن وجدو ذلك موافقاً لما تعقلوه، جعلوه مؤيداً له ومقوياً، وقالوا: قد ورد دليل السمع مطابقاً لدليل العقل، وإن وجدوه مخالفاً لما تعقلوه، جعلوه وارداً على خلاف الأصل ومتشابهاً وغير معقول المعنى، ولا ظاهر الدلاله، ثم قابلهم المخالف لهم بنقيض قولهم، فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلاف ما تعقله خصمه، وجعل ذلك أصلاً يرد إليه أدلة الكتاب والسنه، وجعل المتشابه عند أولئك محكماً عنده، والمخالف لدليل العقل عندهم موافقاً له عنده (11).
ومن مظاهر هذا التناقض: ما وقع فيه المعتزلة من مبدأ نفي الصفات، بناء على مبدئهم في التنزيه، وما غلا الأشعرية من الوقوع في التجسيم، بناء على ما ذهبوا إليه من التأويل، والمبالغة في الإثبات (12).
* يقول الشوكاني عن هذه المسائل:
" و إن كنت تشك في هذا، فراجع كتب الكلام، وانظر المسائل التي قد صارت عند أهله من المراكز، كمسألة التحسين والتقبيح، وخلق الأفعل، وتكليف مالا يطاق، ومسألة خلق القرآن، فإنك تجد ما حكيته لك بعينه " (13).
¥