تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لذلك: كان المسلك القويم في الإلهيات، والإيمان بما جاء فيها، هو مسلك السلف الصالح، من الصحابة والتابعين، من حمل صفات الباري على ظاهرها، وفهم الآيات والأحاديث على ما يوحيه المعنى اللغوي العام، وعدم الخوض في تأويلها، والإيمان بها على ذلك، دون تكلف ولا تعسف، ولا تشبيه ولا تعطيل، وإثبات ما أثبته اللّه ـ تعالى ـ لنفسه من صفاته، على وجه لا يعلمه إلا هو، فإنه القائل جل شأنه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (14). فأثبت لنفسه صفة السمع والبصر، مع نفي المماثلة للحوادث في الوقت نفسه (15).

والإمام الشوكاني قد اعتنق هذا المبدأ، وجعل عمدته في الدعوة إلى مذهب السلف هاتين الآيتين الكريمتين:

أولهما قوله تعالى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (16).

وثانيهما قوله تعالى: " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً " (17).

ففيهما الإثبات والنفي، إثبات صفات الباري ـ جلَّ شأنه ـ ونفي مماثلة هذه الصفات للحوادث، ثم تقييد هذا الإثبات بظاهر ما صرحت به الآيات وأجملته، والزجر عن الخوض في كيفية هذه الصفات.

وقد سجل الشوكاني آراءه ومذهبه في ثنايا كتبه المختلفه ولاسيما كتابيه:

1 ـ " التحف في مذاهب السلف ".

2 ـ " كشف الشبهات عن المشتبهات ".

هذا، وقد اعتنق الشوكاني هذا المذهب بعد طول بحثه ومطالعة في كتب " علم الكلام " حتى صرح بأنه لم يعتنق مذهب السلف تقليداً، وإنما عن إجتهاد و اقتناع.

ولذلك يقول:

" ولتعلم أني لم أقل هذا تقليداً لبعض من أرشدك إلى ترك الاشتغال بهذا الفن، كما وقع لجماعة من محققي العلماء، بل قلت هذا بعد تضييع برهة من العمر في الاشتغال به، وإحفاء السؤال لمن يعرفه، والأخذ عن المشهورين به، والإكباب على مطالعة كثير من مختصراته و مطولاته، حتى قلت عند الوقوف على حقيقته أبياتاً منها:

وغاية ما حصلته من مباحثي ... ومن نظري من بعد طول التدبر

هو الوقف ما بين الطريقين حيرة ... فما علم من لم يلق غير التحير

على أنني قد خضت منه غماره ... وما قنعت نفسي بدون التبحر (18)

* مذهبه الفقهي:

تفقه الشوكاني في أول حياته على مذهب الإمام " زيد بن علي بن الحسين " وبرع فيه، وفاق أهل زمانه، حتى خلع ربقة التقليد، وتحلى بمنصب الإجتهاد، فألف كتابه: " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " فلم يقيد نفسه بمذهب الزيدية، بل صحح ما أداه إليه اجتهاده بالأدلة، وزيف مالم يقم عليه الدليل، فثار عليه أهل مذهبه، من الزيدية، المتعصبون لمذهبهم في الأصول والفروع، فكان يقارعهم بالدليل من الكتاب والسنة، وكلما زادوا ثورة عليه زاد تمسكه بمسلكه، حتى ألف رسالة سماها: " القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد " ذهب فيه إلى ذم التقليد وتحريمه، فزاد هذا في تعصبهم عليه، حتى رموه بأنه يريد هدم مذهب آل البيت، فقامت ـ بسبب هذا ـ فتنة في " صنعاء " بين خصومه وأنصاره، فرد عليهم بأنه يقف موقفاً واحداً من جميع المذاهب، ولا يخص مذهب الزيدية بتحريم التقليد فيه (19).

وهكذا اختار " الشوكاني " لنفسه مذهباً لا يتقيد فيه برأي معين من آراء العلماء السابقين، بل على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده، وهذا ما يلحظه القارىء لكتابه " نيل الأوطار " حيث ينقل آراء ومذاهب علماء الأمصار، وآراء الصحابة والتابعين، وحجة كل واحد منهم، ثم يختم ذلك ببيان رأيه الخاص، مختاراً ما هو راجح فيما يقول.

ويرى أن الاجتهاد قد يسره الله تعالى للمتأخرين، وأنه أصبح ميسوراً أكثر مما كان في الصدر الأول فيقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير