" ... فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم، أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين، تيسيراً لم يكن للسابقين؛ لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت، وصارت من الكثرة إلى حد لا يمكن حصره، وكذلك السنة المطهرة، وتكلم الأئمة في التفسير، والتجريح والتصحيح، والترجيح، بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد، وقد كان السلف الصالح، ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد، ومن قطر إلى قطر، فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجنهاد على المتقدمين، ولا يخالف في هذا من له فهم صحيح، وعقل سوي " (20).
* مكانته العلمية:
إن واحداً كالإمام الشوكاني، صاحب التصانيف المختلفة، والآثار النافعة ليتحدث عن نفسه بهذه الآثار، وقديماً قيل:
تلك آثارنا تدل علينا ... فاسألوا بعدنا عن الآثار
فهو ـ بحق إمام ـ الأئمة، ومفتي الأئمة، بحر العلوم، وشمس الفهوم، سند المجتهدين الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، نادرة الدهر، شيخ الإسلام، علامة الزمان، ترجمان الحديث والقرآن، علم الزهاد، أوحد العباد، قامع المبتدعين، رأس الموحدين، تاج المتبعين، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، قاضي قضاة أهل السنة والجماعة، شيخ الرواية والسماع، علي الإسناد، السابق في ميدان الاجتهاد، على الأكابر الأمجاد، المطلع على حقائق الشريعة ومواردها، العارف بغوامضها ومقاصدها (21).
هكذا وصفه أحد تلاميذه العلامة: حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني.
وقال عنه العلامة حسن بن أحمد البهكلي في كتابه " الخسرواني في أخبار أعيان المخلاف السليماني ":
" السنة الخمسون بعد المائتين والألف، وفيها في شهر جمادى الآخرة كانت وفاة شيخنا " محمد بن علي الشزكاني " وهو قاضي الجماعة، شيخ الإسلام، المحقق العلامة الإمام، سلطان العلماء، إمام الدنيا، خاتمة الحفاظ بلا مراء، الحجة النقاد، علي الإسناد، السابق في ميدان الاجتهاد " (22).
ثم قال:
" وعلى الجملة: فما رأى مثل نفسه، ولا رأى من رآه مثله علماً وورعاً، وقياماً بالحق، بقوة جنان، وسلاطة لسان ".
وقال عنه العلامة: صديق حسن خان:
" ... أحرز جميع المعارف، واتفق على تحقيقه المخالف والمؤالف وصار المشار إليه في علوم الاجتهاد بالبنان، والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان.
له المؤلفات الجليلة الممتعة المفيدة النافعة في أغلب العلوم، منها: " نيل الأوطار " شرح منتقى الاخبار لا بن تيمية، لم تكتحل عين الزمان بمثله في التحقيق، ولم يسمح الدهر بنحوه في التدقيق، أعطى المسائل حقها في كل بحث على طريق الإنصاف، وعدم التقيد بالتقليد ومذهب الأخلاف والأسلاف، وتناقله عنه مشايخه الكرام فمن دونهم من الأعلام، وطار في الآفاق في زمن حياته، وقرىء عليه مراراً، وانتفع به العلماء " (23).
وقال عنه العلامة عبدالحي الكتاني:
" هو الإمام خاتمة محدثي المشرق وأثريه، العلامة النظار الجهبذ القاضي محمد بن علي الشوكاني ثم الصنعاني ... وقد كان الشوكاني المذكور شامة في وجه القرن المنصرم، وغرة في جبين الدهر، انتهج من مناهج العلم ما عميَ على كثير ممن قبله، وأوتي فيه من طلاقة القلم والزعامة مالم ينطق به قلم غيره، فهو من مفاخر اليمن بل العرب، وناهيك في ترجمته يقول الوجيه عبدالرحمن الأهدل من " النفس اليماني " لما ترجم شيخهما عبدالقادر الكركباني (24): " وممن تخرج بسيدي الإمام عبدالقادر بن أحمد. ونشر علومه الزاهرة، وانتسب إليه وعوّل في الاقتداء في سلوك منهاج الحق عليه. إمام عصرنا في سائر العلوم. وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم، الحافظ المسند الحجة، الهادي في إيضاح السنن النبوي إلى المحجة، عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني:
إن هزَّ أقلامَهُ يوماً ليعملها ... أنساك كلَّ كميٍّ هزَّ عاملَهُ
وإن أقرَّ على رَقٍّ أناملَهُ ... أقرَّ بالرِقّ كُتّاب الأنام لهُ
¥