" وإذا عرفت ما حرّرناه وتقرر لديك جميع ما قرّرناه فاعلم أن القياس المأخوذ به هو ما وقع النص على علته وما قطع فيه بنفي الفارق وما كان من باب فحوى الخطاب أو لحن الخطاب على اصطلاح من يسمي ذلك قياساً وقد قدمنا أنه من مفهوم الموافقة.
ثم اعلم أن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياساً وإن كان منصوصاً على علته أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به مندرجاً تحته وبهذا يهون عليك الخطب ويصغر عندك ما استعظموه ويقرب لديك ما بعدوه، لأن الخلاف في هذا النوع الخاص صار لفظياً وهو من حيث المعنى متفق على الأخذ به والعمل عليه واختلاف طريقة العمل لا يستلزم الاختلاف المعنوي لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً. وقد قدمنا لك أن ما جاءوا به من الأدلة العقلية لا تقوم الحجة بشيء منها ولا تستحق تطويل ذيول البحث بذكرها. وبيان ذلك أن أنهض ما قالوه في ذلك أن النصوص لا تفي بالأحكام فإنها متناهية والحوادث غير متناهية. ويجاب عن هذا بما قدمنا من أخباره عز وجل لهذه الأمة بأنه قد أكمل لها دينها وبما أخبرها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه قد تركها على الواضحة التي ليلها كنهارها.
ثم لا يخفى على ذي لب صحيح وفهم صالح أن في عمومات الكتاب والسنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما ما يفي بكل حادثة تحدث ويقوم ببيان كل نازلة تنزل عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله (3).
* وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ جواباً على قول الجويني: المحققون لا يقيمون لخلاف الظاهرية و زناً، لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ولا تفي النصوص بعشر معشارها.
ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها وتدبر آيات الكتاب العزيز وتوسع في الإطلاع على السنة المطهرة علم أن نصوص الشريعة جمع حمّ ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا قياس مقبول * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها * نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جداً (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البدر الطالع (2/ 290).
(2) نيل الأوطار (1/ 103).
(3) قال محقق الكتاب الأستاذ المفضال محمد سعيد البدْرَي: هذا بيان واضح لا لبس فيه ولا غموض للاقتصار على الكتاب والسنة دون غيرهم من مصادر التشريع المبتدعة. وهي من روائع الشوكاني ولا ريب.
(4) أرشاد الفحول (ص: 148). قال المحقق معلقاً على كلمة الشوكاني: هذه من روائع الشوكاني، ولا ريب. جزاه الله عن المسلمين خيراً وقمع به أهل البدع والأهواء.
ـ[القتادي]ــــــــ[26 - 10 - 04, 03:45 ص]ـ
أخي الفاضل الشيخ مبارك وهذه أيضاً من فوائد الشوكاني رحمه الله.
قال رحمه الله: وأقول أنا لا أعلم بعد ابن حزم مثله (ابن تيمية) وما أظنه سمح الزمان ما بين عصر الرجلين بمن شابههما أو يقاربهما.
البدر الطالع ج1/ص64
فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عددا يجاوز الوصف يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية وما يلتحق بها من دواوين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام ولا يرفعون إلى التقليد رأسا لا يشوبون دينهم بشىء من البدع التى لا يخلو أهل مذهب من المذاهب من شيء منها بل هم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتاب الله وما صح من سنة رسول الله مع كثرة اشتغالهم بالعلوم التى هي آلات علم الكتاب والسنة من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة وعدم اخلالهم بما عدا ذلك من العلوم العقلية ولو لم يكن لهم من المزية الا التقيد بنصوص الكتاب والسنة وطرح التقليد فإن هذه خصيصة خص الله بها أهل هذه الديار في هذه الأزمنة الأخيرة ولا توجد في غيرهم الا نادرا
ولا ريب أن في سائر الديار المصرية والشامية من العلماء الكبار من لا يبلغ غالب أهل ديارنا هذه
¥