خامساً: ليس كل من يسمع الأذان بالضرورة من المصلين، بل ليس كل من يسمع الأذان مسلم، فلا شك أن للأذان رسالة إلى هؤلاء.
سادساً: اختيار المؤذن الأندى صوتاً، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للصحابي الذي رأى في منامه من يعلمه الأذان:» قم فلقنه بلالاً فإنه أندى صوتاً منك «(1). والصوت الندي هو: الصوت القوي الواضح الجميل الذي تجتمع في صاحبه الموهبة والدربة، فلا يكون الصوت حسناً بالأذان إلا إذا كان النطق به وفق قواعد اللغة العربية ومخارج حروفها، وهذا ـ بالتأكيد ـ من أجل أن يفهم الناس عن المؤذن ما يقول، فإذا كان الصوت منفّراً أثر في هذه الغاية وأضعفها.
سابعاً: الترغيب في المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجراً وتفضيله على الذي يأخذ؛ ليمتزج إخلاص قلبه مع كلمات لسانه، ولذلك أثره في نفس السامع.
سبب مشروعية الأذان:
لقد كان سبب مشروعية الأذان رؤيا رآها الصحابي الجليل عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال:» لما أمر رسول الله بالناقوس لِيَضْرب به الناس في الجمع للصلاة ـ وفي رواية: وهو كاره لموافقته للنصارى ـ طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ قال: فقلت ندعو به إلى الصلاة؟ قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت بلى، قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ... (2)، فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك، قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع بذلك عمر وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى، قال: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فلله الحمد «.
لم يكن الأذان إذن اقتراحاً من بعض الصحابة أو اتفاقاً بينهم، وإنما كان رؤيا رآها أحدهم، وقال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنها رؤيا حق.
ما يقوله المسلم عقب الأذان عنوان فهمه معناه:
ومما يؤكد أيضاً أن الأذان يتجاوز في مقاصده مجرد الإعلام بدخول وقت الصلاة إلى ما يقوله المسلم عندما يسمعه، فقد ندب الإسلام المسلم إذا سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول ووعده على ذلك بالجنة (3)، وهذا يقتضي أن يُقْبِل على الأذان فكلما سمع منه جملة رددها بلسانه، فتتاح لقلبه فرصتان لتدبر معناها: الأولى: عندما يسمعها، والثانية: عندما يقولها، ومعلوم أن الإسلام إذا أمر المسلم أن ينصت إلى كلام أو يردده فإنه يقصد استماع القلب لا استماع الأذن فحسب.
إن توقف اللسان عن الاستمرار في الكلام الذي كان يقوله وانصرافه إلى متابعة كلمات الأذان من غير أن يسابق المؤذن بها، ومن غير أن يتأخر عنه، دليل آخر يؤكد أن الأذان للإعلام بدخول الوقت، وهو أيضاً تذكير بحقائق معينة لابد أن الناس مسلمهم وكافرهم بحاجة إلى التذكير بها.
فإذا فرغ المؤذن من أذانه يسن للسامع أن يقول بعد الصلاة على رسول الله:» اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته «.
عن عبد الله بن عمرو، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:» إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة «(3).
وإذا تأملنا هذا الدعاء الذي يقال بعد الأذان، نجد فيه» اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة «فيكون الأذان تلخيصاً لدعوة الإسلام، ثم إعلاماً بدخول وقت الصلاة.
فإذا أجاب المسلم المؤذن وحضر إلى الصلاة، فقد صدّق بالحق وامتثل للأمر فجمع شَرطي الفلاح.
وإنما كان الأذان تلخيصاً لدعوة الإسلام؛ لأنه متضمن للشهادتين، والإسلام كله قام على أساسين عظيمين: أن يُعبد الله وحده، وتلك شهادة» أن لا إله إلا الله «، وأن يُعبد بما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتلك شهادة» أن محمداً رسول الله «، فالإسلام بناء يقوم على أركان خمسة أولها الشهادتان.
¥