> ــــــــــــــــ للشيخ: عمر المقبل
ـ[أبوتميم]ــــــــ[21 - 11 - 04, 06:56 م]ـ
استغفار العاملين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا تزال عجائب القرآن تتجدد لقارئه، المتأملِ في آياته، الطالبِ لهدايته، فهو يرى فيه -مع اختلاف الأزمنة والأمكنة، وتنوع الأحداث- البلسم الشافي، والدواء الناجع، والمخرجَ من هذه الظلمات التي تتخبط فيها الأمة!.
إنني حين أذكر ذلك، فإني لا أضيف جديداً، ولكنني أعبّر عما يختلج في النفس من مشاعر موقنة بهذا أشد اليقين، وهي ترى أمتها مبتعدة في كثيرٍ من جوانب حياتها عن هذا النور، والهدى، والرحمة، والشفاء.
دعنا -أخي القارئ- نأخذ مثالاً من الأمثلة الكثيرة جداً التي عالج القرآن فيها مواطن خلل حدثت في موقفٍ من المواقف التي انتهى أشخاصها، لكن بقيت دروسها وعبرها شاهدةً لكل المؤمنين الذين يتلون هذا الكتاب العظيم إلى يوم القيامة.
لمّا حصل ما حصل في غزوة أحد من هزيمة، ومخالفة الرماة -رضي الله عنهم- لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما ترتب على ذلك من محاولة قتله صلى الله عليه وسلم، وتَرْك بعض الصحابة للقتال بسبب تلك الإشاعة التي صاح بها الشيطان أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل، جاءت آياتٌ عظيمة عاتب الله تعالى الذين وقع منهم هذا، بآيات منها قوله تعالى: " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) " آل عمران.
وموطن الاعتبار - الذي أود الحديث عنه - هو ما حكاه الله تعالى عن هذا النبي ومن معه من الربيين، الذين كانوا يجاهدون في سبيل الله -الذين جعلهم الله تعالى مثلاً للصحابة رضي الله عنهم- الذين قالوا: "ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"!.
فهم بعد أن تحدثت الآية عن عملهم الظاهر من الثبات أمام العدو، رغم كثرة القتل الذي أصابهم، بل ورغم قتل نبيهم - كما هو أحد القولين في الآية وهو اختيار ابن جرير وهو الأقرب والله أعلم- انتقلت الآية إلى جانب آخر من الجوانب المشرقة في حياة هؤلاء الأبرار، وهو جانب الإزراء على النفس، وإظهار الخوف من ذنوبهم، مع جلالة عملهم، وفضل مقصدهم: "وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا".
ولئن كان سياق كلامهم يوحي بالخوف من ذنوبهم الخاصة، فإن سياق الآيات كلها -في غزوة أحد- يوحي أيضاً بالتحذير والخوف من الذنوب العامة في الأمة، وخطرها على مسيرتها؛ بل وأثرها على بقية أفرادها من الصالحين والأخيار.
ألم يكتو بنار هذا الخطأ -في غزوة أحد- أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم؛ فشجت جبينه، وكسرت رباعيته -بأبي هو وأمي ونفسي- فضلاً عن باقي الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين راح بعضهم ضحية هذا الخطأ؟!
لقد فقه أسلافنا هذا المعنى جيداً -أعني أثر الذنوب الخاصة والعامة على الأمة- وما حديث عمر رضي الله عنه لسعدٍ -حينما أرسله للقادسية- محذراً له من مغبة الذنوب- ببعيد عن علم القارئ الكريم.
فهل يتنبه كل من يخدم الإسلام ويعمل له -وإن كان في أشرف الميادين- حاجتهم إلى الإزراء على نفوسهم، والخوف من آثار الذنوب، ودورها في تقليل بركة العمل، وأثرها في تسليط العدو؟!
وإني لأعجب من هذا التعبير الذي يوحي بما كان عليه ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، ومن معه من الربيين من تعظيمٍ لله، وافتقارٍ، وابتهالٍ، وخوف ٍووجلٍ!
فتأمل في قولهم: (ذنوبنا) فهو عموم، ثم خصوا فقالوا: (وإسرافنا في أمرنا)، ثم سألوا ربهم الثبات، خشية أن تكون ذنوبهم سبباً في فقده.
وما أصعب الأمر حينما يفقد الإنسان الثبات أمام عدوه، وهو يعتقد أنه يقاتل من أجل حق، فتخذله ذنوبه أحوج ما يكون إلى الثبات والنصر!
¥