تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واختلفوا في كونها شرطا، والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة، ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال: " كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " وله من حديث جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، قال: فعرضوا عليه فقال: ما أرى بأسا، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه " وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك يمنع، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطا، والشرط الآخر لا بد منه.

وقال قوم لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة كما تقدم في " باب من اكتوى " من حديث عمران بن حصين " لا رقية إلا من عين أو حمة"، وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصلا كل ما يحتاج إلى الرقية، فيلتحق بالعين جواز رقية من به خبل أو مس ونحو ذلك لاشتراكها في كونها تنشأ عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني، ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية.

وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد " أو دم " وفي مسلم من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أنس قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقى من العين والحمة والنملة " وفي حديث آخر " والأذن " ولأبي داود من حديث الشفاء بنت عيد الله " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ألا تعلمين هذه - يعني حفصة - رقية النملة " والنملة قروح تخرج في الجنب وغيره من الجسد، وقيل المراد بالحصر معنى الأفضل، أي لا رقية أنفع كما قيل: لا سيف إلا ذو الفقار.

وقال قوم: المنهي عنه من الرقى ما يكون قبل وقوع البلاء، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه، ذكره ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وفيه نظر، وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى، فأخرج أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم من طريق ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عنها عن ابن مسعود رفعه " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " وفي الحديث قصة، والتمائم جمع تميمة وهي خرز أو قلادة تعلق في الرأس، كانوا في الجاهلية يعتقدون أن دلك يدفع الآفات، والتولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر، وإنما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله، ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه، فقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه كما سيأتي قريبا في " باب المرأة ترقى الرجل " من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم " كان إذا أوى إلى فراشه ينفث بالمعوذات ويمسح بهما وجهه " الحديث، ومضى في أحاديث الأنبياء حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم " كان يعوذ الحسن والحسين بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة " الحديث، وصحح الترمذي من حديث خولة بنت حكيم مرفوعا " من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يتحول " وعند أبي داود والنسائي بسند صحيح عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن رجل من أسلم " جاء رجل فقال: لدغت الليلة فلم أنم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك " والأحاديث في هذا المعنى موجودة، لكن يحتمل أن يقال: إن الرقى أخص من التعوذ، وإلا فالخلاف في الرقى مشهور، ولا خلافه في مشروعية الفزع إلى الله تعالى والالتجاء إليه في كل ما وقع وما يتوقع.

وقال ابن التين: الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم، ويقال: إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها، وكذا اللديغ إذا رقى بتلك الأسماء سالت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير