تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعقارب وحيات هذا مع شدة البرد وقتامة الظلمة وكان يقول: هذه أرق لقلبي.

رحمة الله عليه وإني لأذكر أن المسافة بين الكوخ والمسجد كان تبعد حوالي 20 دقيقة فكنت عند الفجر أرقبه قادما على قدمه في ظلمة حالكة إلي أن يظهر بوجهه المنير ليقيم بنا ونصلي الفجر في المسجد جماعة.

وكان شديد التوضع جدا جدا يجلس مع الفلاحين والعاملين ليأكلوا معا على الأرض من صحن واحد فأسأل الله أن يرفعه بهذا التواضع.

إن سألت عن خشوعه في الصلاة فحدث وحدث ولا حرج ووالله لأن سمعته وهو يقرأ الفاتحة لعلمت أن لهذا الرجل في صلاته لشغل ... فكأني به الآن وهو يقرأ (الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد) يصلها ويقف على نعبد ويكررها ولايتجاوزها، فلله دره.

والله إن مناقب الشيخ أكثر من أن تحصر في هذه السطور ولا في أضعافها فلقد خسرت الأمة عالما عاملا ذاكرا منفقا صالحا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله فهو بحاله أعلم، وإن كنا لنشهد أن كان محافظا على الصلوات في الجماعات حيث ينادى بهن داعيا للخير آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حريصا على اتباع السنة رجاعا للحق إن تبين له محبا للصالحين مبغضا للمنافقين والظالمين.

وكان من آخر ما قاله على فراش العناية المركزة قول الله: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) ثم قال لي: انظر كان ممكن أن يكتفي بعذاب جهنم ولكنه زاد وأضاف: ولهم عذاب الحريق، ثم أخذ يدعو وهو في هذه الحالة على بعض هؤلاء الظالمين الذين فتنوا المؤمنين.

وأما عن حسن خاتمته: فإن اليوم الذي كانت فيه بداية النهاية صلى فيه الشيخ صبح جماعة وكان هو الإمام فلما انفلت من صلاته أخذ يذكر الناس بفضائل يوم الجمعة وما فيه من أوراد وأحوال وأوقات فاضلة وحثهم على يسابقوا لفعل الخيرات فيه ثم جلس وحده يذكر الله حتى شروق الشمس ثم أخذ يلاطفني ويتكلم معي ثم قام فصلى الضحى وبعد أن صلى -والله- قام فوقف على قدمه -على الرغم من مرضه- ورفع يده وأخذ يدعو واقفا رافعا يده بصوت لا أسمعه، ثم خرج معي إلى منزله فمكث برهة ثم عاد فحملته معي إلى المسجد مرة أخرى ليبدأ في الاستماع لمن يقرأ عيه ثم استأذنته وذهبت.

ثم صلى الظهر والعصر والمغرب في مسجده في جماعة -وهو مريض والله حتى أنه سقط أكثر من مرة في بيته ومسجده فاقدا للاتزان، ثم اتصل بي قبيل المغرب داعيا إياي لزيارته فاعتذرت لأني كنت مدعوا على الأفطار ففطلب مني أن أمر عليه بعد العشاء. فلما صلى العشاء في جماعة شعر بإعياء وتعب حتى أنه مكث في المسجد بعد العشاء طويلا وسقط مرة أخرى على الأرض فحملوه من المسجد إلى المشفى فأخبروهم بخبر النزيف المخي كل ذلك والشيخ يبدو عليه الأعياء الشديد ولكنه يضحك لزائريه ويلاطفهم

قيل له وهو في الهناية المركزة وكنت حاضرا: سبب شفاؤك عندي. فقال: أنا أعلم علاجي ... "الحور العين".

جاءه خبر أفرحه وهو على فراشه في اليوم نفسه فنظر إلي وقال: أنظر إلى الانسان كيف يفرح بشئ تافة فما بالك إذا قيل "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون". فقبلته وخرجت.

وكان آخر شئ في وعيه أنه دخل عليه وقت الصبح فطلب ترابا فتيمم وطلب أن يدخلوا عليه الشيخ محمد يسري فدخل وصلى به الفجر في جماعة ثم حدث التدهور والغيبوبة فما أفاق منها إلى ان توفاه الله. والله عبى مثل هذا الشيخ فلتبكي البواكي وإني الآن لا أكاد أرى الحروف من دموعي.

ومما يذكر أن الأطباء ذكروا احتمال حدوث شلل ومع هذا فلقد جاهد نفسه قرابة النصف ساعة ليتجه بنفسه تجاه القبلة ليصلي العصر الذي قبل الفجر الذي ذكرته آنفا على الرغم من محاولة ازوجة والابناء من اثناءه عن هذا ولكنه أصر فرحمة الله عليه كان حريصا على الصلاة الوسطى والصبح فنسأل الله له الجنة وأن يشفع في القرآن.

اللهم شفع فيه القرآن واجعله حجة له لا عليه.

اللهم إنه أوقف نفسه لخدمة كتابك لا يبتغي بذلك أجرا إلا وجهك -وأنت حسيبه- فاكتب له أكمل الأجر وأتمه.

اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته

اللهم اجعل القرآن الذي طالما وقف فيه بين يديك في ظلمة الليل أنيسا له من ظلمة القبر ووحشته

اللهم آمين آمين آمين

ـ[أبو عبدالله المسروحي]ــــــــ[30 - 11 - 04, 01:46 م]ـ

رحمه الله وتقبله عنده

إنا لله وإنا إليه راجعون

ـ[أبو رقية]ــــــــ[02 - 12 - 04, 10:13 ص]ـ

مما لم أعلمه قبل كتابة الموضوع أن الشيخ آخر ما قاله قبل أن يوضع على التنفس الاصطناعي:أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله ... ثم قال: اصنعوا ماشئتم.

ولما دخل عليه ولداه قبل وفاته بساعات قاما بتشغيل المذياع تبركا عند أذان الفجر ووضعوه قريبا من أذنه فلما انتهى المؤذن من رفع الأذان وشرعت إذاعة القرآن الكريم في نقل تلاوة القرآن كانت أول آية بدأ بها القارئ هي قول الله (إن للمتقين مفازا .. حدائق وأعنابا).

وممايذكر للشيخ أيضا أنه وهو على فراش المرض قبل وفاته بيوم أمر بأحد من كان قد وعدهم بأن يبدأ بالقراءة عليه فجاء فعلا وقعد عند رأسه .. فأمره الشيخ أن يقرأ عليه فقرأ ... وكان كلما توقف حثه الشيخ على أن يكمل وعلى الرغم من النزيف الذي في المخ ومن الفشل في وظائق الكلى والماء الذي ملئ جسده ووصل لرئته إلا أن الشيخ كان يرده ويصحح له لما أخطئ في الحفظ.

ولقد صلى عليه جمع غفير من الناس في مصر، وصُلي عليه في السعودية صلاة الغائب، ورُأيت له عدة منامات صالحة.

فرحم الله عبده الفقير إلى عفوه وقبوله ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته، وجعل القرآن أنيسه في قبره، وأعاننا على اتباع أثره واقتفاء نهجه.

وأنا أهيب بكل من له اقتراح يقترحه علينا لعمل خير يصل للشيخ بعد موته أن يتقدم به سواء أكان بالمال أو بالكتب والمخطوطات التي خلفها.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير