تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4ـ ما رواه البخاري أن امرأة من خثعم وضيئة جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والفضل بن عباس رديفه فطفق ينظر إليها وتنظر إليه، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها (10).

فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر المرأة بغض بصرها، وإنما صرف نظر الفضل لما رأى من الريبة في نظره، ولأنه مأمور بغض بصره عن النساء مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة.

4ـ ما فهمه البخاري رحمه الله مع إمامته في الحديث والفقه، فترجم لحديث عائشة رضي الله عنها ونظرها للحبشة بقوله: باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة (11).

المسألة الثانية: حكم الاشتراك في هذه القنوات مع احتمال حصول هذه المفسدة.

وللجواب عن هذا يقال:

إن هذه القنوات تندرج تحت أحكام الوسائل في الشريعة الإسلامية، فهي وسيلة إلى دعوة الناس، وتعليمهم الخير في زمن تطوّر فيه إعلام الباطل ليعرض الفجور، والخلاعة، والشرك، والبدعة بأنواعها على المسلمين، وحتى أوجز الحديث عن هذا أورد ما سطره يراع ابن القيم رحمه الله تعالى في تقسيم الوسائل وبيان أحكامها ثم نصنّف هذه المسألة التي نحن بصددها وندرجها تحت قسمها التي هي منه ونعطيها حكمه.

فالأقوال والأفعال المتوصل بها إلى المفسدة، سواءً كانت محضة أو راجحة أو مرجوحة لا تخلو من أربعة أقسام هي:

1ـ ما كانت وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة، كالزنا المؤدي إلى اختلاط الأنساب وفساد الفرش، فهذا منعته الشريعة إما كراهةً أو تحريماً، بحسب درجاته في المفسدة.

2ـ ما كانت وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة، مثل: عقد البيع بقصد الحصول على الربا، وعقد النكاح بقصد التحليل، فهذا أيضاً ممنوع في الشريعة لأن للوسائل أحكام المقاصد.

3ـ ما كانت وسيلة موضوعة للمباح، ولم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالباً، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، مثل: سب آلهة المشركين بين ظهرانيهم، فهذا أيضاً منعته الشريعة لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وقد استدل ابن القيم على المنع في هذين القسمين بتسعةٍ وتسعين دليلاً.

4ـ ما كانت وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها، ككلمة الحق عند سلطان جائر ونحو ذلك، فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم، أو استحبابه، أو إيجابه بحسب درجاته في المصلحة (12).

فإذا أردنا أن نوازن بين المصلحة المرجوّة من هذه القنوات الفضائية الإسلامية والمفسدة المتوقعة من وراء ذلك نقول: إن فيها من المصالح التي هي مطلوبة شرعاً،كتعليم العقيدة الصحيحة، ونشر العلم والفقه، وطرح الحلول الشرعية لمشاكل الناس المعاصرة، وتوجيه الرأي العام المسلم إلى المواقف الصحيحة من المستجدات العالمية، وتكوين الشعور المسلم الممثل بالجسد الواحد وإشغال أوقات الناس على أقل الأحوال بالمباحات عن المحرمات .. وفيها من المفاسد ما يتوقع حدوثه من نظر النساء إلى الرجال بشهوة، أو انشغال الناس بمشاهدة هذه القنوات عن بعض الأمور المهمة في حياتهم.

وبعد هذه الموازنة يظهر أن المصالح المرجوّة من مثل هذه القنوات أعظم من المفاسد المتوقعة لندرتها، وعدم إمكانية الجزم بوقوعها، فهي داخلة تحت القسم الرابع من أقسام الوسائل التي عدّها ابن القيم رحمه الله، فالاشتراك فيها مباح لمن رغب في ذلك، وقد يكون مستحباً أو واجباً إذا كان فيه صرف للناس عن مشاهدة غيرها مما يشتمل على المحرمات، كالغناء والموسيقى، أو صور النساء، أو ما هو أعظم ضرراً كنشر البدع، والطعن في الدين ونحوه. ولا يعني الحكم بإباحة الاشتراك في هذه القنوات أن يشترك كل مسلم فيها بل هي كأحد أنواع الفواكه مباح ولا يلزم من إباحته أن يأكله كل أحد،

تنبيه:

إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها. وهنا لابد من توجيه نداء إلى القائمين على هذه القنوات الإسلامية بسدّ باب الذريعة إلى الفساد، وذلك بعدم استضافة من يرون فيه فتنة للنساء، والاستغناء عنه بغيره من العلماء وطلبة العلم، فإن ذلك من السياسة الشرعية المفضية إلى إصلاح المسلمين. وعلى طلبة العلم ممن يعلم أن النظر إليه قد يورث تشبب النساء به ألاّ يخرج عليهن، والحمد لله أن القنوات الفضائية ليست السبيل الوحيد للدعوة وتبليغ الناس الخير، فيتخير من وسائل الدعوة ما يكون أقرب إلى تحقيق المراد من الدعوة بلا مفسدة، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يمشي بالمدينة فسمع امرأة تتغنى بشاب من أهل المدينة اسمه: نصر بن حجاج دعى به فوجده شاباً حسناً، فحلق رأسه فازداد جمالاً، فنفاه إلى البصرة، لئلا تفتتن به النساء، مع أنه لا ذنب له في ذلك، وما كان هذا إلاّ سدّاً لباب

الذريعة، وحسماً لمادته (13) والله أعلم.

وفي الختام ..

هذا ما تيسر جمعه وتحبيره راجياً من الله التوفيق والصواب، ثم أرجو من العلماء وطلبة العلم تصويب الخطأ، والعفو عن الزلل، فإنما الخير أردت ..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 - سورة النور، آية 31.
2 - أخرجه أبو داود برقم (4112)، والترمذي برقم (2878)، وأحمد (6/ 296).
3 - أخرجه مسلم برقم (1480).
4 - أخرجه البخاري برقم (454)، ومسلم برقم (892).
5 - تفسير السعدي (ص566).
6 - إرواء الغليل (6/ 211).
7 - حاشية شرح السنة للبغوي (4/ 24).
8 - انظر فتح الباري (9/ 248).
9 - رواه البخاري برقم (1513).
10 - رواه البخاري
11 - فتح الباري (9/ 248).
12 - إعلام الموقعين (3/ 136).
13 - ينظر: مجموع الفتاوى (28/ 370،371)، السياسة الشرعية (1/ 119)، الطرق الحكمية (1/ 22)

رابط الموضوع
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=2359
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير