و َإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ تَقْرِيبًا وَذَلِكَ ضَلالٌ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَتَغْيِيرٌ لَهُ شَبِيهٌ بِضَلالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْهِلالِ إلَى غَايَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْقُرْصَيْنِ الَّذِي هُوَ الاسْتِسْرَارُ ; وَلَيْسَ بِالشُّهُورِ الْهِلالِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانَ فِي الْعَرَبِ: الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ - الَّذِي يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - مَا ذَكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَ لا نَحْسِبُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)).
فَمَنْ أَخَذَ عِلْمَ الْهِلالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ.
وَالْحِسَابُ إذَا صَحَّ حِسَابُهُ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ ضَبَطَ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَقْتَ الْغُرُوبِ مَثَلا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بُعْدَ الْقَمَرِ عَنْ الشَّمْسِ لَكِنَّ كَوْنَهُ يُرَى لا مَحَالَةَ أَوْ لا يُرَى بِحَالِ لا يُعْلَمُ بِذَلِكَ.
فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ تَخْتَلِفُ بِعُلُوِّ الْأَرْضِ وَانْخِفَاضِهَا وَصَفَاءِ الْجَوِّ وَكَدَرِهِ وَكَذَلِكَ الْبَصَرُ وَحِدَّتُهُ وَدَوَامُ التَّحْدِيقِ وَقِصَرُهُ وَتَصْوِيبُ التَّحْدِيقِ وَخَطَؤُهُ وَكَثْرَةُ الْمُتَرَائِينَ وَقِلَّتُهُمْ وَغِلَظُ الْهِلالِ وَقَدْ لا يُرَى وَقْتَ الْغُرُوبِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَزْدَادُ بُعْدُهُ عَنْ الشَّمْسِ فَيَزْدَادُ نُورًا وَيَخْلُصُ مِنْ الشُّعَاعِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيَتِهِ ; فَيَرَى حِينَئِذٍ.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى قَوْسٍ وَاحِدٍ لِرُؤْيَتِهِ بَلْ اضْطَرَبُوا فِيهِ كَثِيرًا وَ لا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا مَرْجِعُهُ إلَى الْعَادَةِ وَلَيْسَ لَهَا ضَابِطٌ حِسَابِيٌّ.
فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْقِصُهُ عَنْ عَشْرِ دَرَجَاتٍ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَزِيدُ.
وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ أَقْوَالٌ مُتَقَابِلَةٌ مَنْ جِنْسِ أَقْوَالِ مَنْ رَامَ ضَبْطَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُخْبَرِ وَلَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ عَدَدِيٌّ إذْ لِلْعِلْمِ أَسْبَابٌ وَرَاءَ الْعَدَدِ كَمَا لِلرُّؤْيَةِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فُسِّرَ الْهِلالُ بِمَا طَلَعَ فِي السَّمَاءِ وَجُعِلَ وَقْتُ الْغَيْمِ الْمُطْبِقِ شَكًّا.
أَمَّا إذَا فُسِّرَ الْهِلالُ بِمَا اسْتَهَلَّهُ النَّاسُ وَأَدْرَكُوهُ وَظَهَرَ لَهُمْ وَأَظْهَرُوا الصَّوْتَ بِهِ انْدَفَعَ هَذَا بِكُلِّ تَقْدِيرٍ.
وَالْخِلافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَد وَ غَيْرِهِ وَ الثَّانِي قَوْل الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)).
انتهى (مجموع الفتاوى، 6/ 587 فما بعدها)
قال اللامي: نخلص من هذه الفتوى بالآتي:
أولا: أن التكوير صفة تنطبق على السماء و الأرض.
ثانيا: أن الزمن نسبي (و هذا قبل نظرية النسبية الخاصة بكثير) و قد قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
و حقيقة الأزمان نسبة حادث ****** لسواه تلك حقيقة الأزمان
ثالثا: بركة العلم الشرعي و أن فيه كثير من العلوم المادية، التي لم يعرفها الإنسان إلا في أزمنة متأخرة.
و في هذا النقل فوائد أخرى لمن تدبر.
ـ[اللامي]ــــــــ[29 - 08 - 02, 07:04 م]ـ
للرفع!
ـ[عبدالله العتيبي]ــــــــ[29 - 08 - 02, 07:53 م]ـ
جزيت خيرا اخي الكريم على هذا النقل
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[29 - 08 - 02, 08:27 م]ـ
هنا كلام صريح لشيخ الإسلام في الإجماع على كرويّة الأرض:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=241051&postcount=4
ـ[اللامي]ــــــــ[29 - 08 - 02, 09:52 م]ـ
الأخ عبد الله العتيبي ...
و إياك ...
===================================
الأخ هيثم حمدان:
الموضوع الذي تشير إليه الوصلة فيه نقل الأخ عبد الله العتيبي لنفس ما نقلته هنا ...
و كنت قديما قد أنزلت هذا الموضوع في ((سحاب)) و لا أدري من السابق في نقله ... و أظنك علقت هناك بنقل نص آخر و أظنه هو الذي في الوصلة ... ، أليس كذلك؟
و النقل الذي هنا فيه أكثر من أن الأرض كروية و لذلك نقلته ...
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[29 - 08 - 02, 11:22 م]ـ
نعم أخي اللامي كلامي في الوصلة هو نفس الكلام الذي عقّبتُ به على موضوعك في سحاب.
والسبب هو أنّ ما تفضّلت بنقله لا يصلح للردّ على من قال بأنّ: جميع الأجرام السماويّة كرويّة ما عدا الأرض، فإنّها مسطّحة وأنّها مركز الكون.
والله أعلم.
¥