إذن فالإمام الشافعي رحمه الله لم يغير (بعضا) من مسائل مذهبه القديم بفعل البيئة وإلا لم يلزم أهل العراق شيئا من مذهبه الجديد لأنه -ببساطة - موضوع لمن هم في بيئة مختلفة عن بيئتهم .. بل وجدنا من يرجح المذهب سواء في مصر أو اليمن أو داغستان أو كردستان أو العراق يأخذ بمذهبه الجديد رحمه الله على التفصيل المبين بمقدمات بعض كتب الشافعية وبعض الكتب التي وضعت كمدخل للمذهب (5)
وكذا رأينا الإمام النووي يختار بعضا من المسائل المفتى بها في القديم ويرجحها على الجديد لرجحانها من جهة الدليل – عنده –
ولم نر مع تعاقب أجيال أئمة المذهب الشافعي في العديد من البلدان والأمصار من يدعي أنه ترك مذهب الشافعي الجديد لاختلاف البيئة التي أفتى فيه الشافعي رحمه الله بتلك الفتاوى وأنها لا تناسب الأقليم أو المصر الذي هو فيه
كما أننا نجد أن الشافعية اختلفوا في مذهبه الجديد هل هو من وقت دخوله مصر أو من وقت خروجه من العراق: بمعنى أن ما أفتى به رحمه الله بعد خروجه من العراق وقبل دخوله مصر هل هو من القديم أم من الجديد؟ واختلافهم هذا وترجيح (6) كون ما أفتى به بعد خروجه من العراق (وقبل) دخوله مصر يدل على أن أئمة المذهب لم يفهموا من المذهب الجديد أنه رأى بيئة مختلفة في مصر أدت إلى تغير اجتهاده
هذا بالإضافة إلى أن تدوين مذهب وتأسيسه يباين الإفتاء فمن سمات التقعيد أن تكون القاعدة مجردة عامة – كما يعبر القانونيون – وهو ما يعني أن مذهبه الجديد حصل له من التقعيد نوع من التجريد والعمومية تجعله صالحا ً – حسب ما رأى الإمام – لكل بيئة ولكل فرد والنادر ليس له حكم بمعنى أن هذا الحكم ربما لا يناسب شخصا ما لظروف خاصة به وهذا له (فتوى) خاصة تتوافق مع ما يرى المجتهد أنه يرفع الحرج عنه كذا الوقائع المختلفة قد تتغير فيها (فتاوى) العلماء طبقا ً بمعطيات معينة وذلك كله بالضوابط المنصوص عليها في كتب الأصول عند تعرضهم لمباحث الاجتهاد
إذن فنحن أمام (مذهب) وليس مجموعة من الفتاوى التي ناسبت البيئة الجديدة: مصر
هذه محاولة بسيطة لفهم الأمر وفي انتظار تعليقات الإخوة – بارك الله فيهم – وقد كتبت هذا على عجالة فلتلمس لي الأعذار
الهوامش
(1) الأمر يحتاج إلى تفصيل وما يجوز أن يتغير ومالا يجوز فهناك الكثير من الثوابت التي لا تتغير بتغير البيئة أو الزمان أو المكان – كما هو معلوم -
(2) كاتب تونسي يعيش في فرنسا
(3) سبق هذا الكتاب وهو الحجة كتاب الرسالة بطلب عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله
(4) ربما كان المذهب الحنبلي أقل المذاهب تخالفا في هذا حتى أنك لا ترى معالم مدارس فقهية مختلفة للمذهب وإنما خلاف بين أئمة المذهب
(5) على أن ذلك لا يمنع أن العراقيين كان لهم سمة خاصة كما سبق وأن أشرت .. لكن لنفس السبب الذي كانت مدرسة المالكية في العراق لها بعض السمات الخاصة
(6) أي عند بعضهم وإلا فما رجحه المتأخرون أن مذهبه ما قاله بعد دوله مصر وفرق بعضهم كالماوردي بين المتأخر والمتقدم بين مصر والعراق فما قاله متأخرا بين مصر والعراق فهو جديد والآخر عكسه مع ملاحظة أن الإمام رجع إلى مكة بعد خروجه من بغداد ثم رجع إليها – بغداد – مرة أخرى
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[06 - 12 - 04, 05:19 ص]ـ
بارك الله فيكم في بيان هذا الأمر عن إمامنا الشافعي رحمه الله، وكلامك حفظك الله مقنع جدا لمن أراد الله به خيرا، وأما أهل الأهواء فهم يبحثون لهم عن شبهات ومخارج لمحاولة نشر باطلهم.
وللفائدة ينظر هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=45837#post45837
ـ[محمد بن علي المصري]ــــــــ[07 - 12 - 04, 05:49 م]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الفقيه وبارك فيكم
ـ[محمد بن علي المصري]ــــــــ[19 - 05 - 05, 11:59 ص]ـ
للرفع للتذكير
ـ[أبو جهاد السلفي]ــــــــ[19 - 05 - 05, 12:21 م]ـ
بارك الله فيك على هذه اللفتة الطيبة فكثيرا ما يزعم اهل البدع ان الامام الشافعي غير مذهبه بتغير البيئة
ليبررو بدعهم والحقيقة كما انت قلتها والله اعلم
ـ[محمد الاثري]ــــــــ[19 - 05 - 05, 01:44 م]ـ
احسنت اخي احسن الله اليك
فكثير من اهل البدع والضلال يردون هذه العبارة دون ان يعوا معناها او صدقها
فكل ما يريدون هو اثبات حقهم في اجتهاداتهم والتي غالبا ما تكون غير الصواب ويقولون هذه متطلبات العصر
او هذه بيئة هذا الزمان وغير ذلك من الالفاظ التي ما انزل الله بها من سلطان
والله الموفق الى احسن سبيل
وحسبنا الله ونعم الوكيل