تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث:أن هذه الأمة وإن كان فيها الحاسبون والفلكيون في العصور المتأخرة إلا أن عددهم في

الأمة لا يذكر، ولو طفقنا نعد من يستطيع حساب الاقتران ومعرفة وقت ولادة الهلال ووقت

استهلاله فلربما أعيانا ذلك لقلة من يتخصص في هذا الأمر، ومعروف أن الفلكيين المتخصصين

في الأمة الإسلامية بالنسبة لمجموع عددها قليل لا يذكر، فكيف يكون هؤلاء القليل هم المعيار

في تغيير الأحكام وارتفاعها؟

السادسة: محل النزاع في الاعتماد على الحساب الفلكي نفيا وإثباتا أو نفيا فقط هو في حساب الفلكيين

وقت ولادة الهلال أو وقت الاقتران، فلو أدلى أحد بشهادة تفيد رؤية الهلال قبل ولادته أصلا مثلا،

فهذه الشهادة مقبولة عند كل علماء الأمة ممن يعتد بهم ويعتبر بأقوالهم وآرائهم، وما عدا ذلك فقول

مرذول وخلاف شاذ لا يعول عليه، بل ثمة إجماع سابق من السلف الصالح على قبول هذه الشهادة

وإن خالفت الحساب الفلكي ولم ينقل أحد خلاف ذلك فدل على أن رد هذه الشهادة قول محدث.

وهذا القول برد شهادة الرؤية لمخالفتها الهلال مبني على أن الحساب الفلكي يقيني أوشبه يقيني فيجب

عرض الرؤية البصرية على هذا الحساب، فلو خالفت الرؤية البصرية الحساب فإنه يجب اتهام

هذه الرؤية والتعويل على الحساب.

وهذا التصرف متناقض، ذلك أن الرؤية البصرية الشرعية حقيق بها أن تكون هي اليقينية، والحساب

لو تنزلنا أنه يقيني فإنه يتعارض يقين ويقين، فتقدم الرؤية البصرية الشرعية لأنها المقررة في شريعة

الله الغراء أما الحساب وإن كان يقينيا فإنه ليس معتمدا.

وكون الرؤية البصرية الشرعية يقينية في حق الرائي فهذا لا يحتاج إلى تقرير، لأن الرؤية من الحواس

ومحسوسات الحواس من اليقينيات عند المناطقة أما احتمال حدوث خطأ في الرؤية فتكون غير يقينية

فليس بسديد، لأن نفس هذا الخطأ وارد في حسابات القوم، وأعني بالورود الاحتمال العقلي، ولا يرد

أن الحاسبين في كل أنحاء الأرض متفقون، فيقال إن إطباقهم على حساب وقت معين ليس بالضرورة

يفيد نفي احتمال الخطأ لأنه احتمال الخطأ وارد عليهم جميعا.

وكون الحساب الفلكي يقينيا فيه ملاحظات نعرضها في النقاط التالية:

السابعة: كون الحساب يقينيا مختلف فيه بين أهل الحساب أنفسهم ... ذلك أن المعادلات الرياضية المعقدة

يعتريها التقدم والتطور باستمرار، وما كان يقينيا في الهندسة الإقليدية لم يصر كذلك في الهندسة اللا إقليدية

وما كان يقينيا في عهد نيوتن لم يصر كذلك في عهد آينشتاين، ومن ثم كان نسبية آينشتاين كأول مسمار في

نعش يقينية الرياضيات والفيزياء.

بل معنى اليقين الذي يتحدث عنه المتشرعة يختلف جملة وتفصيلا عن معناه عند الرياضيين والفيزيائيين،

فاليقين عند المتشرعة هو ما لا يحتمل النقيض، فإذا احتمله فلا يقين، ولكن عند الرياضيين والفيزيائيين

ليس هناك يقين بهذا المعنى.

الثامنة: اليقين الذي يزعمه أهل الحساب لو تنزلنا معهم في قبوله فإنه صحيح بحسب المعطيات، أما لو

كان ثمة خلل في المعطيات فلا يكون الحساب يقينيا بحال ومعطيات الحساب الفلكي أرقام ثابتة يتم تغييرها

بمعادلات معينة لتحاشي هامش الخطأ والفروق في الأبعاد المختلفة والمؤثرات المختلفة، وليس في معطيات

الحساب قدرة الله تعالى النافذة، فمثل هذا لا يمكن حسابه ولا يمكن تقديره بحال من لدن بني البشر، فمنازل

القمر وسرعة القمر مع سرعة الأرض والشمس كذلك يحسبونه بدقة ولكنهم يهملون إرادة الله تعالى أن

تغير كل هذا، فهذا ما لايمكن حسابه بحال، وتغير أجزاء الكون لإرادة نافذة من الله أمر محتمل كما حبس

الله الشمس ليوشع بن نون، وكما سيطول الليل والنهار في آخر الزمان، ونحو ذلك مما يتعارض مع قوانين

الكون الكلية.

التاسعة: أن يقين الحاسب الفلكي منشوه نفس الحساب، فيكون خاصا به، ولا يكون الحساب يقينيا في حق

كل الناس أو في حق كل أفراد الأمة المحمدية ممن سمع بالحساب اليقيني ولم يحسبه بنفسه. واليقين عند

بقية افراد الأمة إنما هو خبر عن اليقين وليس هو يقين لكل الناس، وما كان كذلك فيختص حكمه بمن حصل

عنده اليقين ولا تلزم به الأمة.

وحتى تتضح المسألة فإنه لو تقدم عشرة وأفادوا برؤية الهلال وتم التحقق من هيئته منهم، ولكن جاء فلكي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير