الحسابية، فلو أصاب الدنيا غمام أظلمت له الدنيا وتحرينا وقت الظهر (مع وجود التقويم) وكان مخالفا لما عليه التقويم فلا حرج على المكلف في نظر الشريعة حتى وإن أخطأ اجتهاده، وهذا يدل على مناطات العبادات هي التي حددت في الشريعة المطهرة.
الخامسة: أن في ترك الاعتماد على الحساب تمييز لأهل السنة المعتصمين بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة، ذلك أن الاعتماد على الحساب صار سمة المبتدعة منذ الأزل أمثال الروافض والإسماعيلية وأضرابهم، وهؤلاء هم الذين أعلوا علم الحساب الفلكي على قواعد الشرع وجعلوا له الكلمة النافذة، وخالفهم علماء السنة على مر الأزمنة، ووجدوا معارضات كثيرة من تلك الطوائف، فهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه .. ولا تزال تجد المنبهر بالحساب الفلكي في قلبه حسيكة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، فهو على استعداد لهدم النظام القضائي ونظام الشهادات في الإسلام لأجل سواد عيون الحساب الفلكي المزعوم يقينيته وفي هذا ما فيه من زعزعة لقواعد الشريعة وتقويض لأركانها وثوابتها ..
السادسة: أن في ترك الاعتماد على الحساب تمحض في تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الصيام والفطر على الرؤية، وهذا يقتضي أن الرؤية هي العلة في بدء الصيام، ولم يعلق على الصيام أمر آخر فاقتضى اختصاص الرؤية بالعلية، فلو جعلنا الصيام معلقا بالحساب كان تعليلا بما لم يعلله النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا انحراف عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقولن قائل إن الاعتماد على الحساب لأجل تصحيح الرؤية التي أناط النبي صلى الله عليه وسلم بها الصيام! لأن تصحيح الرؤية بالحساب يجعل الحساب شرطا في الرؤية فتكون الرؤية منوطة بالحساب بالضرورة، وهذا ما لم يحدث من لدن عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
السابعة: أن في ترك الاعتماد على الحساب ما يستدعي حض المكلفين على تحري رؤية الهلال كما ورد في السنة، لأن الاعتماد على الرؤية البصرية يجعل تحريها سهلا على العامة، وفي هذا من المصالح العظيمة في حض الناس على تحري الرؤية، أما الاعتماد على الحساب فيزهد الناس في هذا الفرض الكفائي، كما يزهدهم في تدبر تلك المخلوقات التي أناط الله بحركتها بعض العبادات المهمة، وقد رأينا كيف زهد الناس في هذا الزمان تحري رؤية الهلال بسبب اعتمادهم على التقاويم وانتظارهم لمحاولات الفلكيين في رؤية الهلال بالمناظير وتصويره، وكل ذلك جر الكثير من الفتن على المكلفين مما أدى بهم في نهايةالمآل إلى هجر سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تحري رؤية الهلال.
الثامنة: أن في ترك الاعتماد على الحساب مجاراة لسنة الشريعة في عدم التكلف، فالعبادات التي شرعها الإسلام جارية على سنة البساطة، سارية على نهج سلس لا يزعج المكلفين، وفي الاعتماد على الحساب تكلف وتقعر في تناول الشرعيات وهو انتحاء عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: (وما أنا من المتكلفين).
التاسعة: أن في ترك الاعتماد على الحساب تطريد لقواعد الشريعة وتأكيد على ثوابتها، وذلك في أمور:
الأمر الأول: في أبواب القضاء والشهادات، فهي مبنية على التحقق من عدالة الرائي ثم التحقق من تطابق صفة الهلال المرئي لصفة هلال الشهر الجديد، وجعل الحساب معيارا في قبول شهادة الرائين ثلم في قواعد القضاء والشهادات واصطلام لثوابت الشريعة في قبول روايات العدول الثقات، وبمثل هذا رد العلمانيون والعقلانيون روايات الصحابة بل آيات القرآن الكريم التي رأوا أنها تخالف العقل الصريح أو تخالف مكتشفات العصر الحديث ...
الأمر الثاني: في أبواب العبادات والشرعيات عامة، حيث لم يعلق شيء منها على الحساب، فصلاة الكسوف منوطة برؤية الكسوف، فحتى من علموا بوجود الكسوف عن طريق الحساب ولم يروه لا يشرع لهم الصلاة، وكذلك مواقيت الصلاة، وكذلك صلاة الاستسقاء فإنها تشرع عند الجدب وإن تنبأ الإرصاديون وجزموا باحتمال سقوط الأمطار، أفرأيت؟ كل فروع الشريعة لم تعول على الحساب والعلوم العصرية في شيء ... فكان ذلك قاعدة مستمرة يجب طردها في مسألة رؤية الأهلة أيضا.
الأمر الثالث: وهو خاص برأي القائلين بالأخذ بالحساب في النفي فقط، فهذا يجعل قاعدتهم في اعتماد الحساب متناقضة مع نفسها، لأن العلة في الأخذ بالحساب في النفي هو الجزم بيقينية الحساب في هذه الجزئية، مع أن نفس هذه اليقينية موجودة في الإثبات، أعني في حالة إثبات الحساب بوجود الهلال حال كونه لم تثبت رؤيته شرعا، فإن القائلين بالحساب في حالة النفي يرفضون اعتماد الحساب في حالة الإثبات مع أن العلة هناك هي العلة هنا، فكيف يكون اليقين ذو تأثير هنا وغير ذي تأثير هناك؟؟؟ وهذا هو التناقض، وفي إعتماده حال الإثبات والنفي تناقض مع فروع الشريعة الأخرى .. فلزم طرحه مطلقا .. والله الموفق والهادي إلى الصواب.
العاشرة: أن في الاعتماد على الحساب مزاحمة بين التخصصات ومخاصمة بين المناصب في المجتمع، فالشرعيات لا يناط أمرها بغير المتشرعين، كما أن الفلك والحساب والهندسة لا يناط أمرها بالمتشرعة والفقهاء، وكثيرا ما ينعى أهل الدنيا على أهل الشريعة تدخلهم في اختصاصات الغير، فلما يتدخل الغير في تخصص أهل الشريعة يتهمون أهل الشريعة بأنهم تحجروا واسعا ويحصل الذم والعيب للفقهاء، وكل ذلك منشؤه من تسلط العقلانيين على الشريعة واقتناصهم لوظائف المتشرعة لتكون لهم الحظوة في المجتمع، فالله حسيبهم والمولى رقيبهم.
¥