تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واحتجوا بأن سائر العلماء قد أجمعوا على نجاسة المذي، كما زعم النووي والشوكاني. وجوابنا هو قول الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: «من ادعى الإجماع فهو كاذب! لعل الناس اختلفوا. هذه دعوى بشر المريسي والأصم (إمامي المعتزلة). ولكن يقول لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغنا خلافهم». فما بالك لو علمت أن القائل بطهارة المذي هو الإمام أحمد بن حنبل نفسه؟ هل يقول مدعي الإجماع أن إمام أهل السنة في زمانه كافر أو ضال؟!

والقول عن الإمام أحمد بن حنبل في طهارة المذي، صححه ابن عقيل الحنبلي، واختاره أبو الخطاب في "خلافه"، وقدّمه ابن رزين في "شرحه"، وجزم في "نهايته" و"نظمها". انظر على سبيل المثال "المغني"، و"المحرر في الفقه" (1\ 6)، و"الإنصاف" (1\ 330)، وكثيرٌ من مراجع الحنابلة. لكن لما أعجزتهم الحجة والبرهان، ادعوا الإجماع في أمرٍ قد عرفوا فيه الخلاف!

قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (ص 104): «أما المذي، فيُعفى عنه في أقوى الروايتين، لأن البلوى تعمّ به ويشقّ التحرّز منه. فهو كالدم، بل أولى، للاختلاف في نجاسته والاجتزاء عنه بنضحه. وكذلك المني، إذا قلنا بنجاسته. وأما الودي، فلا يعفى عنه في المشهور عنه كالبول. وأما الدم، فيعفى عن يسيره رواية واحدة». فانظر كيف نقل الاختلاف في نجاسته وعلل ذلك.

قال ابن قدامة في المغني (1\ 413): «وروي عن أحمد –رحمه الله– "أنه (أي المذي) بمنزلة المني" (أي كلاهما طاهر). قال –في رواية محمد بن الحكم– إنه سأل أبا عبد الله (الإمام أحمد) عن المذي أشد أو المني؟ قال (الإمام): "هما سواء: ليسا من مخرج البول، إنما هما من الصلب والترائب، كما قال ابن عباس: هو عندي بمنزلة البصاق والمخاط". وذكر ابن عقيل نحو هذا. وعلّل بأن المذي جزء من المني، لأن سببهما جميعا الشهوة، ولأنه خارج تحلله الشهوة أشبه المني».

قال ابن حجر في الفتح: «وخرج ابن عقيل الحنبلي من قول بعضهم: "إن المذي من أجزاء المني" رواية بطهارته. وتعقب بأنه لو كان منياً لوجب الغسل منه». قلت: هذا تعقبٌ ضعيفٌ لأنه لم يقل أحدٌ أن المذي كالمني، وإنما المذي جزء من أجزاء المني. فالقول بطهارة المني يقتضي القول بطهارة أجزاءه ومنها المذي. أما إيجاب الغسل من المني فلا يفيد الغسل من المذي، لأنه مجرد جزء منه وليس كله. مع العلم أن ابن عقيل ليس أول من علل بهذا، بل سبقه أبو حفص البرمكي –وهو أقدم منه– إذ نقل عنه ابن القيم في بدائع الفوائد (4\ 892): «يجزئ في المذي النضح لأنه ليس بنجس، لقوله ?: " «ذاك ماء الفحل، ولكل فحل ماء". فلما كان ماء الفحل طاهراً –وهو المني–، كان هذا مثله، لأنهما ينشآن من الشهوة».

فإن لم يعجبك قول هؤلاء العلماء فما تقول بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ?، وفقيه التابعين سعيد بن المسيب؟ فقد أخرج مالك في الموطأ في "باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي" (1\ 41): عن يحيى بن سعيد (ثبت فقيه) عن سعيد بن المسيب أنه سمعه ورجل يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي، أفأنصرف؟ فقال له سعيد: «لو سال على فخذي، ما انصرفت حتى أقضي صلاتي». أي أن سعيد لا يرى المذي نجساً.

وروى عبد الرزاق في مصنفه (1\ 160): #613 عن ابن عيينة (ثبت فقيه) عن يحيى بن سعيد (ثبت فقيه) عن ابن المسيب (ثبت فقيه) قال: «إني لأجد المذي على فخذي ينحدر وأنا أصلي، فما أبالي ذلك». وقال سعيد، عن عمر بن الخطاب ?: «إني لأجد المذي على فخذي ينحدر وأنا على المنبر، ما أبالي ذلك». #614 عن الثوري (ثبت فقيه) عن يحيى بن سعيد (ثبت فقيه) عن سعيد المسيب قال «لو سال على فخذي، ما انصرفت»، (قال يحيى) يعني المذي. #615 عن ابن عيينة (ثبت فقيه) عن ابن عجلان (ثقة فقيه) قال سمعت عبد الرحمن الأعرج (ثبت فقيه) يقول: قال عمر –وهو على المنبر–: «إنه لينحدر شيء مثل الجمان أو مثل الخرزة، فما أباليه». أي أن سعيد بن المسيب قد اختار لنفسه مذهب عمر في طهارة المذي.

واحتجوا بأحاديث وردت بالباب:

أخرج البخاري (1\ 105 #266): حدثنا أبو الوليد قال حدثنا زائدة عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، عن علي قال: كنت رجلاً مذاءً، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي ? لمكان ابنته، فسأل فقال: «توضأ واغسل ذكرك».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير