قال الكاتب محاولاً حلَّ المعضلة: ((وكمحاولة أولى للدخول في هذا الموضوع نقول: إن للحديث الواحد عدداً من الروايات المختلفة، ولكل رواية إسناد واحد أو أكثر، فحديث: إنما الأعمال بالنية مثلاً: له سبع عشرة رواية، لكن عدد الأسانيد يصل إلى ستة وعشرين إسناداً)) (3). وذكر عدد الروايات وعدد الأسانيد في كل من الكتب السبعة.
الغريب: أنه جعل عدد الروايات = عدد المواضع التي ذكر فيها أحد أصحاب الكتب الحديثية ذلك الحديث!، فحديث النية: عدد رواياته عند البخاري على رأيه 7 روايات، وعدد أسانيده 7 أسانيد، وهو عدد المواضع التي ذكر البخاري في صحيحه فيها هذا الحديث!. أقول: أما على ما بيَّنتُه قبلاً من معنى الرواية، فإن عدد الروايات لهذا الحديث هو عدد الرواة عن مدار إسناد هذا الحديث، وهو يحيى ابن سعيد، ويبلغ عددهم في الكتب السبعة 10 فقط! وهم: سفيان بن عيينة، ومالك، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي، والليث بن سعد، وسليمان بن حيّان، وحفص بن غياث، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن المبارك. فأورده البخاري من خمس روايات في سبعة مواضع، ذلك لأنه كرر رواية مالك، وكرر رواية حماد بن زيد، من طرق أخرى عنهما على ما بيَّنتُه من معنى الوجه والرواية والطريق.
ولعل سبب وقوع الكاتب في هذا الخلط: هو نظره إلى ألفاظ المتون التي يقع فيها اختلاف من الرواة بسبب الرواية بالمعنى (وهي هنا غير مخلَّة) فعدَّ كل لفظ منها رواية!.
وعدَّ الكاتب الروايات في مسلم: روايتين، وعدَّ الأسانيد 9!. أقول: عدد الروايات عند مسلم 9 على ما بينتُ، استخدم مسلم للربط بينها أسلوب التحويل، أما عدُّه ما عند مسلم روايتين، فهو بسبب نظره إلى الترقيم المُحدَث، فإن مسلماً أورد متن الحديث من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، ثم ذكر سائر الروايات، وقال: كلهم عن يحيى بن سعيد بإسناد مالك ومعنى حديثه. فعدَّ الكاتب رواية مالك رواية أولى لانفرادها برقم، وعدَّ سائر الروايات – وهي ثمانية – رواية ثانية؛ لدخولها جميعاً تحت رقم تال ٍ. وهكذا يكون التحقيق!.
إيضاحاً أقول: إن رواية مالك الواحدة لحديث يرويه عن الزهري مثلاً، لو تعددت من ألف طريق عنه؛ لكانت تعادل تماماً رواية سفيان بن عيينة عن الزهري التي يتفرد بها أحمد بن حنبل عنه مثلاً. لكن على حسابات الكاتب مهندس الحاسوب: يعتبر رواية مالك 1000 رواية، وتكون قوة رواية سفيان: 1/ 1000 من رواية مالك، وبهذا الميزان يكون التطفيف!. وبعد انتظار تعريف الكاتب الدقيق لمفردات: (الحديث، والرواية، والإسناد) نجده يقول: (( ... نخرج من هذا التحليل بثلاثة مصطلحات: الحديث، الرواية، الإسناد، وثمة مصطلح رابع هو الطريق، ويستخدم حصراً عند البحث في تفصيلات الإسناد، كقولنا: روي من طريق فلان عن فلان، ومن طريق فلان عن فلان، وعليه: فإنه مصطلح ثانوي مرتبط بالإسناد فقط.
فالحديث بهذا المعنى: هو الصيغة النموذجية المستخلصة من مختلف الروايات، وإن كلاً من (الرواية) و (الإسناد) لهما دور مرحلي، يقتصر تحديداً على تحقيق هذا الهدف، وينتهي حكماً بتحققه. [قلت: فسَّر الماءَ بعد الجهد بالماء] يقول: وعليه؛ فإن وجود هذا العدد الضخم من الروايات كان يهدف في الأصل إلى خدمة ثلاثة أهداف:
1 - دراسة الأسانيد المختلفة للوصول إلى درجة الصحة في حديث ما.
2 - دراسة الروايات المختلفة نصاً للوصول إلى الصيغة النموذجية.
1 - استنباط دلالات الحديث الفقهية المختلفة بقصد إيراده كاملاً أو مجتزءًا تحت الأبواب الفقهية المختلفة)).
قال الكاتب: ((وبعد البحث والتقصي وجدنا أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق حتى الآن، وهذا بحدِّ ذاته أمر مثير للدهشة أيضاً))!!.
قلت: أما الهدف الأول الذي ذكره؛ فادعاء أنه لم يتحقق إلى الآن فرية واضحةٌ، لم يذكر لها دليلاً أو شبهة دليل، يعلم بطلانها صغار الطلبة. وكذلك الهدف الثالث.
¥