وأما الهدف الثاني: فقد استدل الكاتب على عدم تحققه، بأن البخاري روى حديث النية سبع مرات، ليس بين أي منها تطابق في اللفظ، كما رواه بسبعة أسانيد مختلفة، وأدرجه تحت سبعة أبواب فقهية مختلفة. قال: ((لَمْ يُجرِ البخاري أي نوع من أنواع الدراسة للأشكال المختلفة التي جاءت بها رواية الحديث، من حيث اللفظ، ولم يختر لنا رواية بعينها، وكذلك هو الأمر بالنسبة للأسانيد المختلفة، إذ لم يُجْرِ بينها أي نوع من أنواع التقاطع، وإن مما يبعث على الحيرة: اختياره لرواية معينة بإسناد معين لباب معين، ثم اختياره رواية أخرى بإسناد آخر لباب آخر)) (4). ثم توصل الكاتب بعد دراسته إلى اعتماد المصطلحات التالية: ((1 - الرواية 2 - حديث الصحابي 3 - حديث الرسول ?.
فحديث الرسول ? سمعه صحابي أو أكثر، وحديث الصحابي سمعه تابعي أو أكثر، ثم تناقله الرجال عن التابعين نزولاً حتى عصرنا الحاضر على شكل روايات مختلفة، توزعت في الكتب التسعة (5) وفي غيرها من المصادر، فالرواية ضمن هذا المفهوم تعتبر المادة الأولية التي يتشكل منها حديث الصحابي، وتقوم خطتنا على مرحلتين رئيسيتين:
1 - جمع الروايات المختلفة التي رويت عن صحابي ما لحديث ما، وإجراء تقاطعات بين الصياغات المختلفة من حيث اختلاف اللفظ وترتيب الفقرات، ثم الخروج بالصيغة التي أجمعت عليها غالبية الروايات، واعتمادها كـ (حديث الصحابي).
2 - جمع أحاديث الصحابة التي تمت معالجتها وفق الفقرة السابقة، وإجراء تقاطعات فيما بينها للخروج بحديث رسول الله)) (6). وذلك الحديث هو على حد تعبيره: ((صيغة لغوية نمطية مجمع عليها خالية من الشوائب والشذوذ، بحيث يتم اعتمادها بعد مناقشتها من قِبل جمهرة العلماء كصيغة ثابتة موحدة توفر على جماهير المسلمين عناء الخوض في لجة الاختلافات)) (7).
إن ما انتقده الكاتب على علماء المسلمين قد وقع فيه، ورغم كل ما أورده يبقى السؤال: أين هو تعريفه للحديث والرواية والطريق على صناعة الحدود والتعريفات؟ لعل الحاسوب قد عجز عن ذلك، فلم يُفد الكاتبَ شيئاً. إن الذي يريده الكاتب كما فهمتُ من كلامه: انتخاب نص واحد من الروايات يكون هو حديث الصحابي، وفي حال اشتراك عدد من الصحابة في رواية ذلك الحديث تكون المرحلة الثانية، وهي انتخاب نص هو النص النهائي الأخير لذلك الحديث النبوي!.
ظاهر الفكرة حسنٌ، ولكن:
كيف يتم الانتخاب؟ ومن الذي ينتخب؟ وهل فرَّط أهل الحديث في ذلك؟ .. لابد قبل الجواب من التنبيه على أن النصوص المرشحة للانتخابات هي النصوص الصحيحة، المؤداة بإسناد صحيح، أما النصوص المؤداة بأسانيد ضعيفة أو مُعَلَّة، فهي خارج هذه العملية.
- إن الانتخاب يتم وفق قواعد الترجيح بين الروايات، من الترجيح بالكثرة ومزيد الحفظ وغير ذلك مما سنأتي على ذكره في محله، والكاتب لم يُوفَّق لاكتشاف سر الفرق بين عدد المواضع التي يروي بها الإمامُ المصنِّفُ الحديث، وبين الروايات!.
ومع الترجيح بين اختلاف الروايات الذي يؤثر في المعنى تبقى مشكلة اختلاف الألفاظ الذي لا يؤثر في المعنى شيئاً، وكذلك زيادات بعض الرواة على بعض عندما يسمع راو طرفاً من الحديث، ويسمع الآخر طرفاً من الحديث غيره، ويشتركان في سماع بعض الحديث، فهل يصح إدراج الحديث كله في صيغة واحدة.
- أما الذي ينتخب، فهو الناقد المجتهد في هذا الأمر، ممن فهم هذا الشأن حتى صار ملكة راسخة لديه، وليس الأمر موكولاً إلى محترفي ضغط الأزرار!.
- أما أصحاب الحديث أهل هذه الصناعة، فإنهم لم يفرِّطوا في ذلك، فإن كل روايتين يتوهم تعارضهما، وكان مخرجهما واحداً، فإنهم يرجحون إحداهما على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح، وهذا من خلال علم العلل الذي حمله أئمة جهابذة نقاد. وأما اختلاف الألفاظ الذي لايؤثر شيئاً في فهم المعنى، فقد كان أهل الحديث أورع من أن يتألوا على رسول الله ?؛ فيجزموا بأنه تلفظ بلفظ يمكن أن يكون قد تلفظ بغيره مما يفيد معناه، تأمل هذا المثال لأسانيد حديث ما:
http://www.al-hodaa.com/images/mkalat%20foto/methal.JPG
¥