رجال الطبقة الثالثة أئمة حفاظ، والأسانيد هذه متصلة صحيحة، وعلى فرض أن الروايات غير متعارضة في المعنى، لكننا نجد في الأعم الأغلب في مثل هذه الصورة أن ألفاظ مالك وسفيان وشعبة و ... لاتنطبق تمام الانطباق، فلفظ منها مثلاً: يكون بالفاء، ولفظ بالواو، ولفظ بثم ... إلى آخر أمثال هذه الفروق اللفظية.
لاشك أن الروايات جميعاً ستشترك في ألفاظ من الحديث، يمكن الجزم بأنها من لفظه الشريف ?، ولكن ماذا نفعل بالألفاظ التي لم يقع فيها الاشتراك؟.
أنقدم الزهري أم قتادة أم ثابتاً؟
فلنقدم الزهري، فمن نقدم من أصحابه؟
فلنقدم مالكاً، فما العمل بأصحاب مالك؟
إن تلك الفروق اللفظية التي لا تؤثر في الدلالة، لا يمكن التحكم بأن أحد تلك الألفاظ هو اللفظ النبوي الشريف، وتعتبر كل الألفاظ صحيحة تصلح للاحتجاج بها.
ويريد الكاتب أيضاً إجراء ما سماه (التقاطعات)، ليخرج بصيغة أجمعت عليها غالب الروايات، لكنه نسي تماماً الروابط اللفظية بين تلك (التقاطعات) ماذا سيفعل بها؟! وماذا سيفعل بالزيادات؟ أيريد إلغاءها؟ مهما كان الجواب، فلا شك إنه التحكم ... إن المآخذ على الكاتب كثيرة، يمكن إجمالها في الجهل بمناهج المحدِّثين في رواية الحديث، وجمعِه وتصنيفِه، ونقدِه والحكمِ عليه، مما أدى إلى استخدامه لموازين مختلَّة، فمن ذلك:
- عدم استيعابه لأهمية جمع طرق الحديث، التي لا يتبين خطأ الروايات إلا بها. فكيف يريد الكاتب إجراء تلك (التقاطعات)، وهو يسخر من جمع الطرق وممن جمعها (8). يريد الكاتب الوصول إلى غاية دون الأخذ بوسائلها! هذا مما لا تحتمله العقول.
- ومن ذلك: عدم استيعابه لمناهج المحدثين في التأليف. إن مجرد ذكر رواية مخالِفة لما ذكر قبلها أو بعدها من رواية إمام معتبر أو عدة روايات كافٍ عند المحدثين؛ ليفهم أصحابهم في عصورهم، ومن اهتدى بهديهم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها: التمييز بين الراجح والمرجوح والشاذ والمحفوظ. لكن أمثال ذلك الكاتب، ممن ينتقدون الإمام أحمد والإمام البخاري والإمام النسائي رحمهم الله وغيرهم من أكابر الأمة، ودليلهم (فأرة تجرُّ القرص)، فهؤلاء لا يفهمون التلميح ولا التلويح ولا التوضيح و لا التصريح ولا التنقيح! يريدونها بالملعقة؛ لذلك أبدى الكاتب تذمُّره من تشعبات الجرح والتعديل،
والمصطلحات التي قال: إنها لا يعرفها إلا المتخصصون المتبحرون، كما أبدى تذمُّره من أمانة النسائي العلمية المحيِّرة حسب تعبيره (9).
- ومن ذلك: عدم استيعابه لمقاصد المحدثين في عباراتهم: كقولهم: وأصل الحديث في الصحيحين، فقد توهم أن الحديث الذي يقال فيه ذلك قد اعتوره نوع من التشوُّه من تحريف أو زيادة أو ماشابه، مما جعله يختلف عن الأصل (10). ووهَّم الذهبيَّ لما ذكر أن سعد بن أبي وقَّاص وقع له في مسند بَقِيِّ بن مَخْلد 270 حديثاً، فظنَّ الكاتبُ أنها 270 رواية، قال: لأن مسند بقي بن مخلد يتبع نظام الرواية لا الحديث (11).
لو درى الكاتب أن ذلك المسند يعتبر العمدة في عدِّ متون الأحاديث التي يرويها الصحابة، وأن ذلك معلوم مقرر عند أهل الحديث قديماً وحديثاً؛ لاستحيى من توهيم الإمام الذهبي رحمه الله بهذه الطريقة المضحكة.
وليبرهن الكاتب على وجود خلل في نسخ صحيح البخاري – بسبب أنه استشكل وجود حديث في أحد الأبواب -: لجأ إلى كلام المعلمي رحمه الله في مقدمة كتاب ((بيان خطأ البخاري في تاريخه)) حيث تحدث عن اختلاف نسخ التاريخ الكبير، وأنها أحد الأسباب التي أدت إلى تعقب الرازيين على البخاري!! (12). فما هذه المغالطة في معاملة الجامع الصحيح معاملة التاريخ الكبير؟!.
- ومن ذلك: تكهنه بما سماه فرضاً رياضياً، فاستخرج ولادة كل راوٍ ووفاته بفرضيته التي إن وافقت ألف مثال تنتقض بمثال واحد، فكيف بمئات أو آلاف الأمثلة؟.
- ومن ذلك: جهله بالقرآن الكريم واللغة والفقه:
¥