والنص يبطله ; لأن إيقاف الشيء لغير مالك من الناس , واشتراط المنع من أن يورث , أو يباع , أو يوهب: شروط ليست في كتاب الله عز وجل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة مرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل} , فصح أنه لا يجوز من هذه الشروط إلا ما نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جوازه فقط , فكان ذلك في كتاب الله تعالى. لقوله عز وجل: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ولقوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما أراك الله} لا سيما الدنانير , والدراهم , وكل ما لا منفعة فيه , إلا بإتلاف عينه , أو إخراجها عن ملك إلى ملك , فهذا هو نقض الوقف وإبطاله. ويمكن أن يحتجوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث أشياء: من صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له}. فهذا لا حجة لهم فيه ; لأن الصدقة الجارية لا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعن بها إلا ما أجازه من الصدقات , لا كل ما يظنه المرء صدقة , كمن تصدق بمحرم , أو شرط في صدقته شرطا ليس في كتاب الله عز وجل. فصح أن الصدقة الجارية , الباقي أجرها بعد الموت -: إما صدقة مطلقة فيما تجوز الصدقة به مما صح ملك المتصدق به عليه , ولم يشترط فيها شرطا مفسدا. وإما صدقة موقوفة فيما يجوز الوقف فيه. فصح أنه ليس في هذا الخبر حجة فيما يختلف فيه من الصدقات , أيجوز أم لا؟ كمن تصدق بصدقة لم يجزها المتصدق عليه , وكمن تصدق في وصيته على وارث أو بأكثر من الثلث. ولا بمحرم: كمن تصدق بخمر , أو خنزير. وإنما فيه: أن الصدقة الجائزة المتقبلة يبقى أجرها بعد الموت فقط. فبطل هذا القول جملة لتعريه من الأدلة - وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: احتج من لم ير الحبس جملة: بما روينا من طريق سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن أبي عون - هو محمد بن عبيد الله الثقفي - قال: قال لي شريح: جاء محمد بإطلاق - الحبس. وبما رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب أنه سمع شريحا وسئل فيمن مات وجعل داره حبسا فقال: لا حبس عن فرائض الله. قال علي: هذا منقطع , بل الصحيح خلافه , وهو أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم جاء بإثبات الحبس نصا - على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى - فكيف , وهذا اللفظ يقتضي أنه قد كان الحبس , وقد جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإبطاله - وهذا باطل يعلم بيقين ; لأن العرب لم تعرف في جاهليتها الحبس الذي اختلفا فيه , إنما هو اسم شريعي , وشرع إسلامي: جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء بالصلاة , والزكاة , والصيام , ولولاه عليه الصلاة والسلام ما عرفنا شيئا من هذه الشرائع , ولا غيرها , فبطل هذا الكلام جملة. وأما قوله " لا حبس عن فرائض الله " فقول فاسد ; لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة , والصدقة في الحياة , والوصية بعد الموت , وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض الله عز وجل , فيجب بهذا القول إبطال كل هبة , وكل وصية ; لأنها مانعة من فرائض الله تعالى بالمواريث. فإن قالوا: هذه شرائع جاء بها النص؟ قلنا: والحبس شريعة جاء بها النص , ولولا ذلك لم يجز. واحتجوا بما رويناه من طريق العقيلي نا روح بن الفرج نا يحيى بن بكير نا ابن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس: {لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا حبس بعد سورة النساء}. قال أبو محمد: هذا حديث موضوع , وابن لهيعة لا خير فيه , وأخوه مثله - وبيان وضعه: أن " سورة النساء " أو بعضها نزلت بعد أحد - يعني آية المواريث - وحبس الصحابة بعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد خيبر وبعد نزول المواريث في " سورة النساء ". وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل. ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا باتصال الحبس بعلمه عليه الصلاة والسلام إلى أن مات. وذكروا أيضا: ما رويناه من طريق ابن وهب نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار , ومحمد , وعبد الله ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم , كلهم عن أبي بكر بن محمد قال {إن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن حائطي هذا
¥