صدقة وهو إلى الله ورسوله , فجاء أبواه فقالا: يا رسول الله , كان قوام عيشنا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما ابنهما} زاد بعضهم " موقوفة " وهي زيادة غير صحيحة وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه -: أولها - أنه منقطع ; لأن أبا بكر لم يلق عبد الله بن زيد قط. والثاني - أن فيه أنه قوام عيشهم , وليس لأحد أن يتصدق بقوام عيشه , بل هو مفسوخ إن فعله , فهذا الخبر لو صح لكان حجة لنا عليهم وموافقا لقولنا , ومخالفا لقولهم في إجازتهم الصدقة بما لا يبقى للمرء بعده غنى. والثالث - أن لفظة " موقوفة " إنما انفرد بها من لا خير فيه. وموهوا بأخبار نحو هذا , ليس في شيء منها ذكر الوقف , وإنما فيها " صدقة " وهذا لا ننكره. وقال بعضهم: قد كان شريح لا يعرف الحبس - ولو كان صحيحا لم يجز أن يستقضي من لا يعرف مثل هذا. قال أبو محمد: لو استحيا قائل هذا لكان خيرا له , وهلا قالوا هذا في كل ما خالفوا فيه شريحا , وأي نكرة في جهل شريح سنة وألف سنة , والله لقد غاب عن ابن مسعود نسخ التطبيق , ولقد غاب عن أبي بكر ميراث الجدة , ولقد غاب عن عمر أخذ الجزية من المجوس سنين , وإجلاء الكفار من جزيرة العرب إلى آخر عام من خلافته , وبمثل هذا لو تتبع لبلغ أزيد من ألف سنة غابت عمن هو أجل من شريح. ولو لم يستقض إلا من لا تخفى عليه سنة , ولا تغيب عن ذكره ساعة من دهره حكم من أحكام القرآن -: ما استقصى أحد , ولا قضى ولا أفتى: أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن من جهل عذر ومن علم غبط. وقالوا: الصدقة بالثمرة التي هي الغرض من الحبس يجوز فيها البيع , فذلك في الأصل أولى. قال علي: هذا قياس , والقياس كله باطل , ثم هو قياس فاسد ; لأن النص ورد بالفرق بينهما كما نذكر إن شاء الله تعالى من إيقاف الأصل وحبسه وتسبيل الثمرة , فهذا اعتراض منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على غيره , والقوم مخاذيل. وقالوا: لما كانت الأحباس تخرج إلى غير مالك: بطل ذلك , كمن قال: أخرجت داري عن ملكي. قال أبو محمد: وهذه وساوس ; لأن الحبس ليس إخراجا إلى غير مالك , بل إلى أجل المالكين - وهو الله تعالى - كعتق العبد ولا فرق. ثم قد تناقضوا فأجازوا تحبيس المسجد , والمقبرة , وإخراجهما إلى غير مالك , وأجازوا الحبس بعد الموت في أشهر أقوالهم , فبلحوا عند هذه فقالوا: المسجد إخراج إلى المصلين فيه. فقلنا: كذبتم ; لأنهم لا يملكون بذلك , وصلاتهم فيه كصلاتهم في طريقهم في فضاء متملك ولا فرق. وقالوا: إنما خرجت عن ملكي إلى غير مالك ولا فرق ; لأن هذا القول نظير الحبس عندكم في الحياة , فوجب أن يكون نظيره في الموت ولا فرق. وقالوا: لما كانت الصدقات لا تجوز إلا حتى تحاز , وكان الحبس لا مالك له: وجب أن يبطل. فقلنا: هذا احتجاج للخطأ بالخطأ , وقد أبطلنا قولكم: أن الصدقة لا تصح حتى تقبض , وبينا أنه رأي من عمر , وعثمان رضي الله عنهما قد خالفهما غيرهما فيه , كابن مسعود , وعلي رضي الله عنهما , فكيف والحبس خارج إلى قبض الله عز وجل له , الذي هو وارث الأرض ومن عليها وكل شيء بيده وفي قبضته. وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة أبي طلحة لله تعالى دون أن يذكر متصدقا عليه , ثم أمره عليه الصلاة والسلام أن يجعلها في أقاربه وبني عمه - وبالله تعالى التوفيق. ومن عجائب الدنيا المخزية لهم: احتجاجهم في هذا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق الهدي في الحديبية وقلدها , وهذا يقتضي إيجابه له , ثم صرفها عما أوجبها له وجعلها للإحصار , ولذلك أبدلها عاما ثانيا. قال أبو محمد: أول ذلك كذبهم في قولهم , وهذا يقتضي إيجابه له وما اقتضى ذلك قط إيجابه ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينص على أنه صار التطوع بذلك واجبا , بل أباح ركوب البدنة المقلدة. ومن المحال أن تكون واجبة لوجه ما خارجة بذلك عن ماله باقية في ماله. ثم كذبوا في قولهم: إنه عليه الصلاة والسلام أبدله من قابل. فما صح هذا قط. ومن المحال أن يبدل عليه الصلاة والسلام هديا وضعه في حق في واجب ثم أي شبه بين هدي تطوع ينحر عن واجب في الإحصار عن أصحابه , وعن نفسه المقدسة في حبس. أما يستحي من هذا مقدار علمه وعقله أن يتكلم في دين الله عز وجل. ثم نقول لهم: أنتم تقولون: إن له
¥