أن يحبس ثم يفسخه , وقستموه على الهدي المذكور , فأخبرونا: هل له رجوع في الهدي بعد أن يوجبه فيبيعه هكذا بلا سبب أم لا؟ فمن قولهم: لا , فنقول لهم: فهذا خلاف قولكم في الحبس إذ أجزتم الرجوع فيه بلا سبب , وظهر هوس قياسكم الفاسد البارد , ويقال لهم: هلا قسمتموه على التدبير الذي لا يجوز فيه الرجوع عندكم , أو هلا قستم قولكم في التدبير على قولكم في الحبس , لكن أبى الله تعالى لكم إلا خلاف الحق في كلا الوجهين. قال أبو محمد: وكل هذا فإنما من احتجاج من لا يرى الحبس جملة وأما قول أبي حنيفة فكل هذا خلاف له ; لأنه يجيز الحبس , ثم يجيز نقضه المحبس , ولورثته بعده , ويجيز إمضاءه وهذا لا يعقل , ونسوا احتجاجهم ب {المسلم عند شرطه} و {أوفوا بالعقود}. قال أبو محمد: فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فلنذكر البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته -: روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يزيد بن زريع نا ابن عون عن نافع عن عمر قال {أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس منه فكيف تأمر به؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر: أنه لا يباع أصلها} ولا تورث -: في الفقراء والقربى , والرقاب , وفي سبيل الله , والضيف , وابن السبيل , لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف , أو يطعم صديقا غير متمول فيه ". ومن طريق أحمد بن شعيب نا سعيد بن عبد الرحمن المكي نا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر {قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالا قط هو أعجب إلي منها , وقد أردت أن أتصدق بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم احبس أصلها وسبل ثمرتها}. ورويناه أيضا: من طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله وفيه {احبس الأصل وسبل الثمرة}. وحبس عثمان بئر رومة على المسلمين بعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينقل ذلك الخلف عن السلف , جيلا بعد جيل , وهي مشهورة بالمدينة. وكذلك صدقاته عليه السلام بالمدينة مشهورة كذلك. وقد تصدق عمر في خلافته بثمغ , وهي على نحو ميل من المدينة وتصدق بماله وكان يغل مائة وسق بوادي القرى كل ذلك حبسا , وقفا , لا يباع ولا يشترى , أسنده إلى حفصة , ثم إلى ذوي الرأي من أهله. وحبس عثمان , وطلحة , والزبير , وعلي بن أبي طالب , وعمرو بن العاص: دورهم على بنيهم , وضياعا موقوفة. وكذلك ابن عمر , وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس , لا يجهلها أحد. وأوقف عبد الله بن عمرو بن العاص " الوهط " على بنيه. اختصرنا الأسانيد لاشتهار الأمر. ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب نا علي بن حفص نا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: {وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله} في حديث. ومن طريق محمد بن بكر البصري نا أبو داود نا الحسن بن الصباح نا شبابة - هو ابن سوار - عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعبده في سبيل الله} في حديث. قال أبو محمد: الأعتاد جمع عتد - وهو الفرس - قال القائل راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي تعدو بها عتد وأى والأعبد جمع عبد , وكلا اللفظين صحيح , فلا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب قال {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله قوت سنة وما بقي يجعله في الكراع والسلاح في سبيل الله عز وجل}. الكراع: الخيل فقط. والسلاح في لغة العرب: السيوف , والرماح , والقسي , والنبل , والدروع , والجواشن , وما يدافع به: كالطبرزين , والدبوس , والخنجر , والسيف بحد واحد , والدرق , والتراس. ولا يقع اسم السلاح على سرج , ولا لجام , ولا مهماز. وكان عليه السلام يكتب إلى الولاة والأشراف إذا أسلموا بكتب فيها السنن والقرآن بلا شك , فتلك الصحف لا يجوز تملكها لأحد , لكنها للمسلمين كافة يتدارسونها
¥