د – ما ذهب إليه ابن القيِّم أنه بيع العينة وأن السنة يفسر بعضها بعضاً، فقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " المراد بذلك بيع العينة.
وكذلك أيضاً قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: " نهى عن بيعتين في بيعة " المراد بذلك بيع العينة وهو: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل من ثمنها نقداً؛ فيبيع السيارة مثلاً بمائة ألف ريال مؤجلة ثم بعد ذلك يشتريها بأقل من ثمنها نقداً، فقالوا بأن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد أطال ابن القيِّم رحمه الله في تقريره وقال: " بأن السنة يفسر بعضها بعضاً "، فهذه هي التي يوجد فيها المحذور وأنها دراهم بدراهم بينهما حريرة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، فالشرطان اللذان نهى عنهما النَّبيّ صلى الله عليه وسلم هما الشرطان في بيع العينة؛ والبيعتان اللتان نهى عنهما النَّبيّ صلى الله عليه وسلم هما البيعتان في بيع العينة، لأنه في بيع العينة يبيع السيارة مؤجلة ثم يشتريها نقداً فهاتان بيعتان؛ بيعة التأجيل وبيعة النقد.
وهذا القول هو الأقرب، وعلى هذا فالتفاسير السابقة لا تكون داخلة تحت حديث: " ولا شرطان في بيع "، وكذلك أيضاً لا تكون داخلة تحت حديث: " ولا بيعتان في بيعة ".
3 - قالوا: هذه الجمعية فيها شيء من المخاطر فقد يموت أحد أعضاء هذه الجمعية وقد يفصل من عمله وقد ينقل إلى بلد آخر فيضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم فينهى عنها من أجل هذه المخاطر.
والجواب عن هذا سهل؛ فيُقال: إن المصالح المترتبة على هذه الجمعية أكثر من المخاطر المترتبة عليها، وقد تقدَّم لنا بيان شيء من ذلك في ضابط سد الذرائع.
وكذلك أيضاً مثل هذه المخاطر توجد حتى في المعاملات المباحة؛ فما من معاملة من المعاملات المباحة إلا وفيها شيء من المخاطر؛ فحتى القرض المعتاد فيه شيء من المخاطر، فكون زيد يقرض عمراً فيه شيء من المخاطرة؛ فعمرو المقترض قد يموت وقد يعسر ولا يتمكن زيد من حقه، فهذه المخاطر المنغمرة في المصالح الأخرى المرتبة على المعاملة هذه لا تعلق عليها الأحكام ولا ينظر إليها الشارع.
حكم الصورة الثانية:
وهي – كما تقدم – أن يشترط ألا ينسحب أحد حتى تدور الدورة؛ فالذين يجوِّزون الصورة الأولى مثل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ عبد الله بن جبرين يجوِّزون أيضاً الصورة الثانية لأن المحذور كما أن منتف في الصورة الأولى أيضاً منتف في الصورة الثانية فالمنفعة التي يستفيدها المقرض أيضاً يستفيدها المقترض في هذه الدورة؛ فهي منفعة متبادلة كما سبق.
حكم الصورة الثالثة:
وهي أن يشترط أن يكون هناك أكثر من دورة، يعني تدور الجمعية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات…إلخ، أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يرى جواز مثل هذه الصورة.
وذهب بعض الباحثين إلى التفريق بين الصورة الأولى والثانية، ففي الصورة الأولى والثانية تجوز وأما الصورة الثالثة إذا اشترطوا أن تكون دورة ثانية وثالثة فلا تجوز، مع أنه أجاز الصورة الأولى والثانية لما في ذلك من المنفعة التي تكون داخلة في نفع المقرض الذي نهي عنه.
وتقدم أن أشرنا إلى المنفعة التي تكون محرمة في باب القرض وأنها تشتمل على أمرين:
1 - ما يشترطه المقرض على المقترض وليس له مقابل سوى القرض؛ قالوا: هذه داخل في هذا الضابط، فكونه يشترط عليه أن يكون هناك دورة ثانية أو ثالثة …إلخ؛ داخل في هذا الضابط.
والذين أجازوها مثل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يقول: حتى لو شرط دورتين أو ثلاثة ونحو ذلك أن هذا جائز ولا بأس به.
3 - زكاة جمعية الموظفين:
وهذه المسألة يسأل عنها كثير من الناس.
نقول: الداخل في هذه الجمعية لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون في أول القائمة، يعني يأخذ الجمعية في أول القائمة، فهذا لا زكاة عليه إلا إذا ترك هذه الدراهم حتى حال عليها الحول، فلو فرضنا أن زيداً هو الأول ثم أخذ هذه الدراهم وتركها عنده حتى حال عليها الحول فنقول: يجب عليه أن يخرج الزكاة عند حولان الحول، لكن لو استهلكها – وهذا هو الغالب – فالغالب أن من يلجأ إلى مثل هذه الجمعية أنه يستهلكها في بناء البيت أو الزواج أو شراء سيارة أو نحو ذلك، فإذا استهلكها فإنه لا شيء عليه.
الثانية: أن يكون في آخر الجمعية، وهذا لا يخلو من أمرين:
أن يأخذ الجمعية بعد تمام الحول بحيث يكون عددهم اثني عشر، فهذا يجب عليه أن يخرج عن الشهر الأول الذي دفعه؛ فإذا كانت الجمعية من ألفي ريال فيجب عليه أن يخرج عن ألفي ريال إذا قبض الجمعية بعد اثني عشر شهراً، ثم بعد ذلك إن استهلكها لا شيء عليه، لكن إن بقيت عنده يخرج عن زكاة الشهر الثاني لأن الشهر الثاني أيضاً حال عليه الحول؛ فإذا مرَّ عليه شهر آخر أخرج عن زكاة الشهر الثالث وهكذا .. ؛ فإذا مرَّ الشهر الأول أخرج عن زكاة الشهر الثاني وإذا مرَّ الشهر الثاني أخرج عن زكاة الشهر الثالث وهكذا ...
الثالثة: أن يكون في وسط الجمعية، كما لو كان ترتيبه السابع وقبض هذه الجمعية فهذا لا شيء عليه إذا استهلكها لكن لو بقيت عنده حتى مضى حول من الشهر الذي دفعه، يعني الآن مضى سبعة أشهر فإذا مضى خمسة أشهر والدراهم عنده أخرج عن الشهر الأول، فإذا مضى ستة أشهر أخرج عن الشهر الثاني.
http://saaid.net/book/open.php?cat=4&book=938