تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الحافظ ابن الملقن: «وأما سنن أبي عبد الله ابن ماجه القزويني: فلا أعلم له شرطاً، وهو أكثر السنن الأربعة ضعفاً، وفيه موضوعات، منها ما ذكره في إتيانه بحديث في فضل قزوين، لكن قال أبو زرعة فيما رويناه عنه: طالعت كتاب أبي عبد الله بن ماجه فلم أجد فيه إلا قدراً يسيراً مما فيه شيء، وذكر قدر بضعة عشر، أو كلاماً هذا معناه، وهذا الكلام من أبي زرعة ـ رحمه الله ـ لولا أنه مروي عنه من أوجه لجزمت بعدم صحته عنه؛ فإنه غير لائق لجلالته، لا جرم أن الشيخ تقي الدين قال في الإلمام: هذا الكلام من أبي زرعة لا بد من تأويله وإخراجه عن ظاهره وحمله على وجه صحيح، وعجيب قول ابن طاهر: (حسبك من كتاب يعرض على أبي زرعة الرازي ويذكر هذا الكلام بعد إمعان النظر والنقد)، وقوله: ولعمري إن كتاب أبي عبد الله بن ماجه من نظر فيه علم منزلة الرجل من حسن الترتيب وغزارة الأبواب وقلة الأحاديث وترك التكرار، ولا يوجد فيه من النوازل والمقاطيع والمراسيل والرواية عن المجروحين إلا هذا القدر الذي أشار إليه أبو زرعة. وروى ابن عساكر عن أبي الحسن بن بالويه قال: أبو عبد الله ابن ماجة: عرضت هذه النسخة على أبي زرعة فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع كلها أو أكثرها، ثم قال: لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف، أو قال: عشرين ونحوها من الكلام، قال: وحكى عنه أنه نظر في جزء من أجزائه وكان عنده في خمسة أجزاء، قال الشيخ تقي الدين: لا بد من تأويله جزماً، ولعله أراد ذلك الجزء الذي نظر فيه أو غيره مما يصح» (3). وفي المسألة مناقشات ليس هذا موضع ذكرها.

6 - والحافظ عبد الرحمن بن محمد الاستراباذي المعروف بالإدريسي (ت 405هـ)، قال ابنُ كثير: «وسكن سمرقند، وصنف لها تاريخاً، وَعَرَضه على الدارقطني فاستحسنه» (4).

7 - والحافظ أحمد بن طاهر أبو العباس الدَّاني الأندلسيّ (467 ـ 532 هـ)، قال ابنُ الأبّار: «وله تصنيف على الموطأ سماه كتاب الإيماء ضاهى به كتاب أطراف الصحيحين لأبي مسعود الدمشقي، وعرضه على شيخه أبي عليّ الصَّدَفي فاستحسنه، وأمره ببسطه فزاد فيه» (5).

هذا ما تيسر ذكره من غير استقصاء ومن عُني بهذه المسألة فسيجد الكثير من ذلك في جميع الفنون وخاصة علم الحديث الشريف (6)، ولعل هذا المقال أن يكون نواة لبحث دقيق حول هذه المسألة وذيولها.

ومما يُذكرُ أنّ عدداً من العلماء والفضلاء المعاصرين سلكوا هذه السنَّة المحمودة فكان لمؤلفاتهم عظيم الأثر والقبول.

قلتُ: وفي ضمن عَرْض العالمِ كِتابهُ على مشايخه وأقرانه فوائد عديدة تعود على المؤلف وعلى الكتاب؛ فمن ذلك:

1 - طلب الفائدة العلمية والمنهجية التي يبديها من عُرض عليه الكتاب من المشايخ والأقران؛ فكثيرٌ من الإشكالات والأوهام تزول بعد عرض الكتاب على المتخصصين وأهل الفن والمتميزين فيه، وأحياناً يطلب من المؤلف الزيادة أو الحذف أو التقديم أو التأخير مما يضيف على الكتاب دقة وجودة، ولذا ترى أنَّ غالب الكتب الستة التي وضع لها القبول والعناية من لدن الأمة جمعاء عُرِضت على العلماء قبل إخراجها كما تقدم.

2 - التنبه والتنبيه لما قد يقع من شذوذ وتفرد ربما يسبب جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية مما يشغل أهل العلم في قيل وقال، وكثرة السؤال.

3 - تربية النفس على التواضع وعدم الكبر والغرور، وعدم الاعتداد في الرأي كثيراً، وفي الغالب أنه لا يعرض أحدٌ كتابه على غيره من مشايخه وأقرانه إلاّ من تواضع وطلب الحق.

قال ـ تعالى ـ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].

وقال: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].

وقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].


(*) قسم الثقافة الإسلامية ـ جامعة الملك سعود بالرياض.

(1) ذكره: ابن خير: 94، والتجيبي: 68، وانظر: رسالة «تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي» لأبي غدة، ط 1، 1414هـ.

(2) تغليق التعليق (5/ 423)، مقدمة فتح الباري (ص7، 489). (3) ذكره ابن خير: 98، والتجيبي: 83.

(4) صيانة صحيح مسلم، ص 67، 100، شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 15)، سير أعلام النبلاء (12/ 568)، مقدمة فتح الباري، ص 347.

(5) تاريخ بغداد (9/ 56).

(1) التقييد (1/ 97)، سير أعلام النبلاء (13/ 274)، تهذيب التهذيب (9/ 344).

(2) تاريخ مدينة دمشق (56/ 271)، سير أعلام النبلاء (13/ 278)، وقد كتب د. سعدي الهاشمي دراسة نقدية لقول أبي زرعة هذا نشر في مجلة الجامعة الإسلامية العدد (47 ـ 48) عام 1400هـ.

(3) البدر المنير (1/ 307). (4) البداية والنهاية (11/ 354).

(5) التكملة لكتاب الصلة (1/ 43). قال محقق كتاب الإيماء: «والناظر في كتابه هذا يلاحظ أنّ الكتاب وضع لهذا الشأن، فلا يكاد يمر حديث من الأحاديث فيه علة ما قادحة أو غير قادحة إلاّ ويذكر المصنف تحته ما خالفه، وقول أهل العلم في الترجيح بين ذلك، وقد ذكر في ديباجة كتابه أنَّه سيعتني بذكر العلل فقال: وأتقصى عللها، وأجبر خللها .... » الإيماء (1/ 135).

(6) قلتُ: ومن عجائب ما مرَّ بي من عرض المؤلفات ما قاله ابن كثير في ترجمة محمد بن محمد بن يوسف بن الحجاج الفقيه الطّوسي: «كان عالماً ثقةً عابداً يصوم النهار ويقوم الليل، ويتصدق بالفاضل من قوته، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد رحل في طلب الحديث إلى الأقاليم النائية والبلدان المتباعدة، وكان قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: فثلث للنوم، وثلث للتنصيف، وثلث للقراءة. وقد رآه بعضهم في النوم بعد وفاته فقال له: وصلت إلى ما طلبت؟ فقال: إي والله! نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد عرضتُ مصنفاتي في الحديث عليه فقبلها» البداية والنهاية (11/ 229).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير