تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تَمَشْيُّخ الحدث

ـ[طلال العولقي]ــــــــ[07 - 01 - 05, 11:51 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أول من أخاطب بها نفسي. والله المستعان

المقال:

تَمَشْيُّخ الحدث

ياسر محمد بابطين

الحدثُ: الشاب فتيُّ السن، غض الفؤاد، صافي الذهن، وتَمَشْيُّخه: تصدره للناس في المحراب والمنبر و (منتديات النت) يفتي ويوجه، ويبدي رأيه، لا فيما يناسب سِنّه، لا ينقله عن الأكابر متثبتاً فيما يروي، ولا هو شيءٌ حاك في صدره فأبداه لمن يرجو عنده نُصحاً ..

لا شيء من هذا، فكلُّ ذلك قد تجاوزه الشيخُ الحَدَث، ولم يعد يعيشُ همَّ نفسه، بل فرّغ قلبه لهموم الناس وقضاياهم، وراح يَحُلُّ مشكلاتهم؛ فربما سمعتَ ابناً محضَ البنوة خالصَها يتكلم عن تربية الأبناء! وآخرَ في مطلع المراهقة يُنَظِّرُ للتعامل مع المراهق! وإذا لم تطرب أذناك بمثل هذا، فما أظن ثالثهم عنك ببعيد؛ ذاك الذي يتحدث في القضايا المعاصرة، في واقع الأمة وهي تتقلب في زمن الفتن، فيخبط خبط عشواء، ويذهب يميناً وشمالاً، تحدوه عاطفةٌ لا نشك في صدقها، وهمٌّ قَلَّ في الناس من يحمله، ولكنه ولو أصاب فقد أخطأ!! أخطأ لأن العاطفة تُحرك، والحكمة توجه، وهو يفتئتُ بأُولاهما على الأخرى.

وأخطأ لأن شأن الفتن أكبر من أن يدركه الحدث، وإن رأى الحق فيه واضحاً، فرب حقٍ لا سبيل إليه، وهل يعي الحدث أنه ليس كلُّ حقٍ يُقال! قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون، أن يكذب الله ورسوله (1).

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة (2).

وقال أيوب: لا تحدثوا الناس بما لا يعلمون فتضروهم (3).

هذا لو كان هو يعقل ما يقول، ويقف عند ما ينبغي له الوقوف عنده، فكيف إذا كنا نعيش من الفتن ما قال عنه حذيفة: أشد الفتن أن يُعرض عليك الخير والشر؛ فلا تدري أيهما تركب (4).

وقال: ما الخمر صرفاً بأذهب لعقول الرجال من الفتن (5).

فكيف بربك تكون عقول الأحداث!! قيل لمالك بن أنس: إن عند ابن عيينة عن الزهري أشياء ليست عندك! فقال مالك: وأنا كلّ ما سمعته من الحديث أُحدث به الناس!؟ أنا إذا أريد أن أضلهم!! (6) وأي شيءٍ ذاك الذي عند مالك ولا يحدث به؟ إنه ليس إلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه الفقه الذي يغيب عن أولئك الذين يحدثون بكل ما سمعوا، وكفى به إثماً.

إنّ الإقبال على الخير من الحدث سِمَةُ نجابة، وعلامة فضلٍ هلّت بوادره، لذا فلا عجب أن نجد من العلماء عنايةً بالأحداث، وتقديماً لهم على غيرهم، عن عطاء عن رجل قال: كُنّا جلوساً مع حذيفة، فمرّ رجلٌ، فقال له حذيفة: يا فلان ما يمنعك أن تجالسنا؟ قال: والله ما يمنعني من ذاك إلا هؤلاء الشباب الذين هم حولك.

قال: فغضب حذيفة وقال: أما سمعت الله تعالى يقول (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) وهل الخير إلا في الشباب!.

وعن يزيد أن الحسن قال: قدِّموا إلينا أحداثَكم فإنهم أفرغ قلوباً، وأحفظ لما سمعوا، فمن أراد الله أن يتمه له أتمه (7).

ومُحالٌ إن كُتب للشاب حياةٌ؛ أن يظل شاباً، فإذا كبر أسعفه ما كان بنى لنفسه من قبلُ، قال عروة لبنيه: يا بني تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم، عسى أن تكونوا كبارهم، واسوأتاه ماذا أقبح من شيخ جاهل (8)!؟.

فالحدثُ عاجل أخذِه خيرٌ من آجله، وآجل عطائه أنفع من عاجله، فإن ركب هواه ذهب عاجل ما يرتجى منه وآجله، قال الشافعي: إذا تصدر الحدث فاته علم كثير (9).

وقال إبراهيم بن أدهم: كنا إذا رأينا الحدثَ يتكلم مع الكبار، أيسنا من أخلاقه، ومن كل خير عنده (10).

وقد يتعجل الحدثُ لبادرة نبوغ، فاق بها أقرانه، وصار إليهم إماماً، فيتصدر ولما يستوِ على سوقه، حدثوا أن أبا علي الفارسي اجتاز بالموصل، فمر بالجامع، وأبو الفتح ابن جني في حلقة يُقرىء النحو، وهو شاب، فسأله أبو علي عن مسألة في التصريف، فقصّر فيها، فقال له: زببتَ وأنتَ حصرم.

فسأل عنه، فقيل له: هذا أبو علي الفارسي! فترك حلقتَه وتبعه، وظل يلازمه أربعين سنةً، واعتنى بالتصريف، فما أحد أعلم منه به، فلما مات أبو علي تصدر أبو الفتح في مجلسه ببغداد. (11)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري: كتاب العلم/ الباب 49

(2) رواه مسلم في المقدمة

(3) جامع الخطيب 2/ 109

(4) الاستيعاب 1/ 335

(5) مصنف ابن أبي شيبة 7/ 475

(6) جامع الخطيب 2/ 109

(7) جامع الخطيب 1/ 310

(8) صفة الصفوة 2/ 85

(9) صفة الصفوة 2/ 252

(10) حلية الأولياء 8/ 29

(11) معجم الأدباء 4/ 1589. وزببت أي صرت زبيباً والحصرم قال في الللسان: أول العنب، وقيل الثمر قبل النضج، و الحصرمة حبة العنب حين تنبت.

اهـ

http://www.almurabbi.com/a1.asp

ـ[راضي عبد المنعم]ــــــــ[07 - 01 - 05, 12:31 م]ـ

رضي الله عنك أخي الكريم وجزاك الله خيرًا على هذا النقل الطيب.

وجزى الله كاتبه خيرًا

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير