تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فتقسيم المحدثين للرواة إلى طبقات باعتبار الشيوخ له فائدة معرفة التفرد و المخالفة، لأن ملابسات الرواية والسماع قد تظهر من صيغ التحمل و الأداء، ولكنها في الغالب تظهر بمقابلة الطرق وجمعها إلى بعضها البعض.

ذلك أنه قد ثبت عند المحدثين أن يعضا من الصحابة رووا أجزاء من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم رواها آخرون كاملة، وذلك كأن يحضر في آخر المجلس، أو يشغله أمر من طلب طهارة أو دابة فلتت منه ـ كما حصل لعمران بن حصين ـ أو لإجابة سائل أو متسول وغيرها من أمور تدفع بالسامع إلى التشاغل عن الراوي.

و كذلك الرواة الثقات قد ينسوا زيادة في حديث و يحفظها من هو دونهم في الإتقان ويرويها، وهذا راجع للأسباب المذكورة.

و قد لا يعرف السامع أن الشيخ في مجلس فتوى أو مذاكرة، وان الحديث الذي أرسله متصل السند، فيأخذ هذا السامع الحديث على أن الشيخ أرسله.

ولذلك فإن عرض سند مثل هذا الحديث على بقية الطرق، ومعرفة أحوال المجلس إن كان واحدا أو متعددا، وعرض المتن على النقد الفقهي و الأصولي كفيل بتبيان هذه الأوجه.

ومن جهة أخرى: يمكن أن نقول: كلام يزيد بن هارون قد يفسر لصالح شريك لا عليه،.

فإن من وصف بالوهم و الخطأ من الرواة العدول، قد يكون وهمهم في السند، كما قد يكون في المتن،والوهم في السند يقتضي أن يصحف أو يقلب، ومقولة يزيد مما ينفي عن شريك هذا الضرب من الوهم، فلم يبق إلا الوهم في المتن، وهو الذي قصد الشيخ الألباني.

فنقول: ما يمنع أن تكون رواية شريك حديثا آخر غير حديث زائدة، وقد علمت أن الثقات من رجال الصحيح قد خالفوا زائدة،ولم يكن ذلك طعنا في رواياتهم،ذلك انه كثيرا ما يحصل أن يروي الشيخ لرجل مالا يرويه لآخر، للاختلاف طرق التحمل ومدته.

مثل ذلك رواية الموطأ عن مالك بلغت إلى عشرين رواية، تختلف فيما بينها إلى حوالي مائتي حديث،وقد سبق و أن أوضحنا أن الرواة في طبقة شريك سماعهم من أبي إسحاق لم يكن في مجلس واحد.

فلو أننا علمنا أن زائدة استوعب أحاديث عاصم ـ كما هو الشأن في رواة آخرين عن شيوخ آخرين ـ لسلم للشيخ الأمر، ولقلنا معه: إن شريكا قد خالف من هو أو ثق منه.

يوضحه: أن زائدة قد ذكر الحديث بأتم من شريك ـ كما قال الشيخ ـ ولم يذكر الإهواء سواء على اليدين أو على الركب، فلو أنه ذكر مثلا الإهواء على اليدين، وقد ذكر شريك الإهواء على الركب، لقلنا: قد خالف شريك من هو أوثق منه.

وعليه، يجب التفريق بين أنواع الزيادات، فمنها الزيادة المخالفة المعارضة للمزيد عليه، ومنها الزيادة التي لا تعارض المزيد عليه، بل هي من قبيل زيادة البيان حسب المقتضى،:"فإذا انفرد العدل الصادق عن سائر الثقات بزيادة لا تنافي المزيد عليه قبلت، وهو قول الشافعي و جماعة من الفقهاء، و قيّد ذلك الإمام أحمد بأن لا يترك الجمهور هذه الزيادة " المسودة" {ص:299}.

و في مسألتنا هذه، زيادة شريك لا تعارض روايات باقي الرواة، فتثبت ما نفوا، أو تنفي ما أثبتوا،فإنه لا ينسب لساكت قول كما قال الشافعي.

كما أنها زيادة لم يردها جمهور المحدثين و الفقهاء، و أكثر أصحاب الكتب في الحديث قبلوها، وقد تبين أن مجلس سماع الرواة في طبقة شريك كان مختلفا متعددا في الزمان والمكان.

وهنا ملاحظة يجب ذكرها: وهي إن ما انفرد به الراوي الصادق إذا كان معمولا به في عهد الصحابة وكبار التابعين، أو مرويا من جهات أخرى بما يوافقه أو يشهد عليه، قبل من انفرد به هذا الراوي وعلم أن له أصلا قويا.

ووصف مثل هذا الحديث بالشذوذ أو النكارة لا يضره بل لا يصح،لأن بتداوله عملا و قولا عند الصحابة والتابعين لا يكون إلا محكما أو منسوخا، لا يحتمل احتمالا آخر، فلا يعقل أن نقول عما صح عن الصحابة والتابعين أنه شاذ أو منكر.

والحديث بتداوله عند الصحابة و التابعين كعمل يصبح مشهورا، ولأسباب خفية وملابسات الرواية اعترضت سنده علل بالنظر فيما قلناه سابقا يتبين أنها علل إضافية ليست أصلية فيه، ولذلك فإن أحاديث المنفردين يشترط فيها أن لا تخالف الأحاديث المشهورة،أو الإجماع، أو عمل جمهور الصحابة.

كما أن فقه الراوي و علمه بالخلاف عامل قوي في قبول ما انفرد به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير