تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن اعتبار الموقوف المتعدد الطرق، المشهور عند الصحابة و التابعين كشاهد هو أقوى طرق التعضيد، ورأس أصول منهج المحدثين في الفقه وغيره، فإذا ذكرنا حكما بدليل معلوم،ذكرنا ما يوافقه من الآثار و المراسيل، وفتاوى العلماء،لما في ذلك من الاعتضاد، لا أننا نعتمد عليها في الحكم الشرعي باستقلال عن المرفوع، و لهذا اتفق العلماء على جواز الاستشهاد بالموقوف بضوابط أذكرها إن شاء الله في آخر البحث.

وكذلك نقول: لا يوجد أصلا ما يعارض الأحاديث الموقوفة الصحيحة الموافقة لحديث شريك، فإن معتمد الشيخ الألباني في هذه المسألة حديثان ضعيفان لا يصمدان أمام النقد العلمي، وعليه ننتقل إليهما.

الأول: حديث ابن عمر " أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه"

أخرجه الطحاوي في" شرح المعاني" {254/ 1}، والدار قطني في " السنن" {344/ 1}، والبيهقي في " سننه" {100/ 2}، وابن خزيمة في " صحيحه" {319/ 1}، والحاكم في " المستدرك" {226/ 1}، والحازمي في " الاعتبار" من طريق عبد العزيز بن محمد الدار وردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه.

قال فيه الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي".

أعله البيهقي فقال:" كذا قال عبد العزيز ولا أراه إلا وهما"

قلت: أصاب البيهقي ـ رحمه الله ـ فإن الدار وردي مختلف فيه، من ضعفه أكثر ممن وثقه.

قال علي بن المديني:" ثقة ثبت" {ميزان الاعتدال} {633/ 2}.

قال الذهبي:" صدوق غيره أقوى منه" {ميزان الاعتدال} {633/ 2}

ووثقه العجلي، كما في كتابه {الثقات} {98/ 2}، وكذلك النسائي، ويحي بن معين.

جرحه آخرون، فقال أبو حاتم:" لا يحتج بحديثه" {ميزان الاعتدال} {634/ 2}.

و قال النسائي في رواية أخرى:" ليس بالقوي" {تهذيب التهذيب} {364/ 6}.

قال أبو زرعة:" سيء الحفظ فربما حدث من حفظه الشيء فيخطيء" {الجرح والتعديل} {395/ 5}.

قال ابن سعد:" كان ثقة كثير الحديث يغلط" {الطبقات} {424/ 5}.

قال الساجي:" كان من أهل الصدق و الأمانة إلا أنه كثير الوهم" {تهذيب التهذيب" {354/ 6}.

قال الإمام أحمد:" كان الدار وردي معروفا بالطلب وإذا حدث من كتابه فهو صحيح، و إذا حدث من كتب الناس وهم،كان يقرأ من كتبهم فيخطيء، وربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويه عن عبيد الله بن عمر" {الجرح والتعديل} {396/ 5}.

قال أبو حاتم:" ظهر مصداق قول أحمد في حديث الدار وردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر:" من أتى عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"

قال: و الناس يروونه عن عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر، وليس هذا يشبه حديث عبيد الله" {علل الحديث لابن أبي حاتم} {269/ 2}.

إلا أن الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ استوفى كل هذا الجرح والتعديل، ولخصه في عبارة جامعة مفيدة، فقال في " التقريب":" صدوق كان يحدث عن كتب غيره فيخطيء، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر".

قلت: وحديثه هذا الذي يحتج به الشيخ الألباني عنه، فهو حديث منكر.

والدار وردي في أقوى حالاته حسن الحديث، ومثله إذا انفرد وجب التوقف في حديثه وسبره، فإنهم اتفقوا على أنه يخطيء، وقد أعلا الدار قطني و الحازمي حديثه هذا بأنه تفرد به عن عبيد الله العمري.

و أما قول الشوكاني في " نيل الأوطار":"ولا ضير في تفرد الدار وردي فإنه قد أخرج له مسلم في صحيحه، واحتج به البخاري مقرونا بعبد العزيز بن أبي حازم".

قلت: هذا الكلام ليس بشيء، فلا يكفي الدار وردي أن يخرج له في الصحيحين ليقبل ما تفرد به، والكل يعلم أن في رجال الصحيحين من ضعفوه، والدار وردي أحدهم، فالرجل من رجال الصحيح على نمط الدار وردي حديثه في الصحيح مقبول، ولا يستلزم صحة أحاديثه خارج الصحيحين، لأننا نعلم أن جرح الحديث أو تصحيحه و تضعيفه لا يتوقف فقط على جرح أحد رجال سنده و تعديلهم.

وكون البخاري روى له مقرونا بغيره، لا تفسير له إلا أنه احترس من أخطائه، وكونه روى له مسلم لا يمنع ضعف ما انفرد به عن غيره.

ثم هو قد خولف مرتين:

الأولى: خالفه ابن أبي ليلى عن نافع، فرواه بلفظ:" انه كان يضع ركبتيه قبل يديه ويرفع يديه قبل ركبتيه"

و إن كان ابن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ كالدار وردي إلا أنه أفقه منه و أجل، ومعروف أن الدار وردي كان في الفقه على اختيارات الإمام مالك، وهذا وحده كاف في الترجيح وقد استويا في الضبط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير