العلماء خلفا عن سلف. وقبل الدخول في أقوال أهل العلم والتفصيل فيها نود أن نعرج
الى قائد المعلمين صلى الله عليه وسلم ونري هل حدث شيء من هذا في عهده؟ فهو
قدوة الناس أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. فما ثبت في عهده فهو الحق
المسلم به وما لم يثبت فليس بصحيح.
نعم لقد حصل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اكثر من مرة ودليل من
حفظ أقوى على من لم يحفظ. ففي سنن أبى داود ومسند أحمد (عن أم أبان بنت
الوازع بن زارع بن عامر العبدى، عن أبيها، أن جدها الزارع انطلق الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم،فانطلق معه بابن له مجنون، أو ابن أخت له مجنون، قال
جدي: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ان معي ابنا لي أو ابن
أخت مجنون، أتيتك به تدعو الله له، قال " أئتني به "، قال: فانطلقت به اليه وهو في
الركاب فأطلقت عنه، وألقيت عنه ثياب السفر، وألبسته ثوبين حسنين، و اخذت بيده
حتى انتهيت به الى النبي صلى الله عليه و سلم، فقال: " أدنوه مني، اجعل ظهره
مما يليني " قال بمجامع ثوبه من أعلاه و أسفله، فجعل يضرب ظهره حتى رأيت
بياض ابطيه، و يقول: " اخرج عدو الله،اخرج عدو الله"، فأقبل ينظر نظر الصحيح
ليس بنظره الأول. ثم أقعده رسول الله، صلى الله عليه و سلم، بين يديه، فدعا له
بماء فمسح وجهه و دعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله- صلى الله
عليه وسلم – يفضل عليه. و في مسند الأمام احمد أيضا عن يعلى بن مرة قال: رأيت
من رسول الله، صلى الله عليه و سلم، ثلاث ما رآها أحد قبلي، و لا يراها أحد بعدى
لقد خرجت معه في سفر حتى اذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي
لها، فقالت يا رسول الله: هذا الصبي أصابه بلاء و أصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم
لا أدري كم مرة، قال: " ناوليني " فرفعته اليه، فجعله بينه و بين واسطة الرحل
ثم فغر، فاه، فنفث فيه ثلاثا، و قال: " بسم الله، انا عبد الله، اخسأ عدو الله "، ثم
ناولها اياه فقال: " القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل"، قال فذهبنا و
رجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها ثلاث شياه، فقال: " ما فعل صبيك؟ " فقالت:
و الذي بعثك بالحق ما أحسسنا منه شيء حتى الساعة، فاجترر هذه الغنم، قال:
" أنزل خذ منها واحدة و رد البقية ".
وبهذا الذي تقدم من حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم و كفى بهما حديثين جليين
عظيمين ترد على كل متأول أفاك كاذب لا يؤمن بدخول الجن في داخل جسد الأنسي.
أما ما حدث من سلفنا الصالح و التابعين فهو كثير جدا، و نؤخذ منه مثلا من امام أهل
السنة و الجماعة الأمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه و رحمه الله. (روي أن الامام
أحمد كان جالسا في مسجده اذ جاءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل، فقال: ان
في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع، و قد أرسلني اليك، لتدعو الله لها بالعافية،
فأعطاه الأمام نعلين من الخشب (أي قبقابين) و قال: اذهب الى دار أمير المؤمنين
واجلس عند رأس الجارية و قل للجني: قال لك أحمد: أيما أحب اليك: تخرج من
هذه الجارية ن او تصفع بهذا النعل سبعين؟ فذهب الرجل و معه النعل الى الجارية و
جلس عند رأسها، و قال كما قال له الامام أحمد، فقال المارد على لسان الجارية:
السمع و الطاعة لأحمد، لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه، انه أطاع الله و
من أطاع الله أطاعه كل شيء. ثم خرج من الجارية فهدأت، و رزقت أولادا. فلما
مات الامام عاد لها المارد، فاستدعى لها الأمير صاحبا من أصحاب احمد، فحضر،
و معه ذلك النعل، و قال للمارد: اخرج و الا ضربتك بهذه النعل. فقال المارد: لا
أطيعك و لا أخرج، أما أحمد بن حنبل فقد أطاع الله فأمرنا بطاعته).
وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، أن صرع الجن للانس قد يكون
عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للانس مع الانس. وهذا تلميذ شيخ الاسلام ابن
القيم في كتابه القيم " الطب النبوي " يذكر لنا حديث ويفصل في موضوع الصرع
وتلبس الجن، فيقول: (أخرجا في الصحيحين،من حديث عطاء بن أبي رباح، قال:
قال ابن عباس: " ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى. قال: هذه المرأة السوداء،
¥