ومن جميل فعال الإسلام تجاه الدول التي حاربها وقاتلها أنه يربط قتالها بمحددات وقيم ومبادىء شرعية عظيمة:
- فالأصل – كما ذكرنا – أن يكون كله لله فلا رجاء لدنيا ولا لمقامات عند الناس
- كذلك فقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان والأطفال والشيوخ نهيا شديدا كما فى الأحاديث الصحيحة
- كذلك فقد كان المسلمون يقدمون بين يدى قتالهم للأمم دعوتهم لها بالحسنى للإسلام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في رسائله لملوك الروم والفرس ومصر وغيرهم
- وكذلك فقد رضي المسلمون من القرية التي يقاتلونها أن يرفعوا الآذان لينتهوا عن قتالهم وأن يكفوا عن محاربتهم
- كذلك فقد نهى الشرع الحنيف عن المثلة والتمثيل بالمحاربين وكذلك نهى عن ضرب الوجه والتقبيح والوسم عليه
- ولنا في نموذج صلاح الدين الأيوبي وقتاله للحروب الصليبية النموذج الرائع فى العدل والحكمة والرفق والشفقة على الأمم رغم أنهم جاءوا بجيوش عظيمة يريدون استئصال شأفة المسلمين ولم يراعوا في ذلك – كعادتهم – طفلا ولا شيخا ولا امرأة كما قتلوا المسلمين فى أثناء الصلاة .. إلا أن صلاح الدين – كقائد مسلم عادل – أبي أن يعاملهم بالمثل وكان نموذجا للمروءة والفروسية الإسلامية الحقة ..
- كما أن هناك محددا آخر لابد من تبيينه ألا وهو أن هذا النوع من القتال يجب أن يكون تحت مظلة الخلافة الإسلامية , فالخليفة المسلم هو وأهل شورته هم الذين لديهم القدرة على اتخاذ القرار بالحرب للأمم المختلفة , فلا تصح نفرة الجماعات المتشرزمة أو المتأولة بل تصير عاصية للخليفة المسلم إذا ما تحركت من تلقاء نفسها , فقتال الطلب منوط بالسلطان المسلم ولا يجوز لأحد غيره الإقدام عليه في ظل دولة الإسلام
ولعل مبدأ القتال – من أجل إيصال الخير للناس وفقاً لما سبق- مبدأ نصت عليه كتب أهل الكتاب قبل كتب أهل الإسلام، كما أنه هو الواقع الذي حكمت به البلاد الشيوعية الحمراء أراض ممتدة عبر التاريخ الحديث ولكن وفقاً لرأي ذويها القاصر، كحال أدعياء الحرية والديمقراطية اليوم.
أما النصارى فنقلوا عن المسيح عليه السلام كما في إنجيل متى، ما نصه: 'لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها'، وعلى كل حال يغننا عن هذا النص واقع الحروب التي شنت باسم المسيح على ديار الإسلام بل على شعوب الأرض، وكذلك معركة هرمجدون التي يروج لها بعض متدينيهم في الحاضر. وأما التوراة فشواهد تشريع القتال فيها أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر.
ومن جيد أبيات الحكمة المعاصرة قول الأمير:
وَالشَرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ ذَرعاً وَإِن تَلقَهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ
سَلِ المَسيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَت بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظالِمِ الغَلِمِ
طَريدَةُ الشِركِ يُؤذيها وَيوسِعُها في كُلِّ حينٍ قِتالاً ساطِعَ الحَدَمِ
لَولا حُماةٌ لَها هَبّوا لِنُصرَتِها بِالسَيفِ ما اِنتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ
وأما تاريخهم فما أشد ممراته حتى قال بعض باحثيهم: إن أعداد المسيحيين الذين قتلوا بالتعذيب في عهد الإمبراطور دقلديانوس الروماني [حكم 248 - 305] يقدر بأكثر من مليون مسيحي إضافة إلى المغالاة في الضرائب التي كانت تفرض على كل شيء حتى على دفن الموتى، لذلك قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر تسمية ذلك العهد بعصر الشهداء، وأرخوا به التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي. وأشار الباحث إلى الحروب الدموية التي حدثت بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، وما لاقاه البروتستانت من العذاب والقتل والتشريد والحبس في غياهب السجون إثر ظهور المذهب البروتستانتي على يد مارتن لوثر الذي ضاق ذرعا برجال الدين الذين احتكروا تفسير النصوص وتقسيم صكوك الغفران. وقد كتبت لنا يد التاريخ صراعات المسيحية بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما والقسطنطينية، الأمر الذي انتهى إلى انقسام الكنيسة بعد مؤتمر الكلدونية عام 451م وخلال حكم الإمبراطور
¥