تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد شهد هذا القرن من الحروب التي قامت بها الدول المسيحية، ما شهدت تلك العصور الوسطى المظلمة - عندهم - بل وأشد وأقسى!! ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، ورومانيا، وأميركا، في بيت المقدس في سنة 1918، حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: " اليوم انتهت الحروب الصليبية "؟!.

وألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً " لقد عدنا يا صلاح الدين "؟!.

وهل هدمت الديار، وسفكت الدماء، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب؟.

بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا؟ واندونيسيا؟ و ... غيرها؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حرباً صليبية؟.

إن الإسلام إنما غزا القلوب وأسرَ النفوس بسماحة تعاليمه: في العقيدة، والعبادات، والأخلاق، والمعاملات، وآدابه في السلم والحرب، وسياسته الممثلة في عدل الحاكم، وإنصاف المحكومين، والرحمة الفائقة، والإنسانية المهذبة في الغزوات والفتوح، إنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فلا عجب أن أسرعت إلى اعتناقه النفوس، واستجابت إليه الفطرة السليمة، وتحملت في سبيله ما تحملت، فاستعذبت العذاب، واستحلت المر، واستسهلت الصعب، وركبت الوعر، وضحت بكل عزيز وغالٍ في سبيله.

من واقع تاريخ الإسلام

والآن وقد فرغنا من تفنيد ما بنوا عليه مزاعمهم الكاذبة، من دعوة الإسلام إلى الجهاد، وتحريم المسيحية له، فلنأخذ في تفنيد هذه الدعوى الظالمة من واقع تاريخ الدعوة الإسلامية قبل فرض الجهاد، ومن حكَم تشريعه في الإسلام، ومن نصوص القرآن والسنة المتكاثرة، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسير خلفائه الراشدين وأصحابه، ومن واقع تاريخ المسلمين اليوم، وما تعرضوا له من اضطهاد وحروب ومظالم، لم تزدهم إلا صلابة في التمسك بالإسلام، والعض عليه بالنواجذ، فأقول وبالله التوفيق:

1 - لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عاماً، وهو يدعو إلى الله بالحجة والموعظة الحسنة، وقد دخل في الإسلام في هذه الفترة من الدعوة خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء، ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثراء ما يغري هؤلاء، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وقد تحمَّل المسلمون - ولاسيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم - من صنوف العذاب والبلاء ألواناً، فما صرفهم ذلك عن دينهم، وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة في الحق، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحداً منهم ارتدّ سخطاً عن دينه، أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء، وكالحديد لا يزيده الصهر إلا قوةً وصلابةً، بل بلغ من بعضهم أنهم وجدوا في العذاب عذوبة، وفي المرارة حلاوة.

ثم كان أن هاجر بعضهم إلى بلاد الحبشة هجرتين، ثم هاجروا جميعاً الهجرة الكبرى إلى المدينة، تاركين الأهل والولد والمال والوطن، متحملين آلام الاغتراب، ومرارة الفاقة والحرمان، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة عاماً وبعض العام يدعو إلى الله بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، وقد دخل في الإسلام من أهل المدينة قبل الهجرة وبعدها عدد كثير عن رضاً واقتناع ويقين واعتقاد، وما يكون لإنسان يحترم عقله ويذعن للمقررات التاريخية الثابتة أن يزعم أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في هذه الأربعة عشر عاماً أو تزيد حول أو قوة ترغم أحداً على الدخول في الإسلام، إلا إذا ألغى عقله وهدم التاريخ الصحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير