تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أمر الله نبيه بمسالمة العدو إن أمنوا جانبهم من المكر والخيانة، قال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61))

يقول الطبري: وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحربَ، إما بالدخول في الإسلام، وإما بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح (فاجنح لها)، يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn9)).

وظل الرسول e يدعو الناس إلى الإسلام في مكة ثلاث عشرة سنة، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يقاتل أحداً طوال هذه الفترة، مع ما تعرض له المسلمون من الأذى في دينهم.

وليس معنى هذا تضييق نطاق الجهاد أو أن الجهاد لم يشرع إلا للدفاع فقط، فقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) قال الطبري: يقول لهم: ابدأوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارًا، دون الأبعد فالأبعد. وكان الذين يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ، الروم، لأنهم كانوا سكان الشام يومئذ، والشام كانت أقرب إلى المدينة من العراق. فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد، فإن الفرض على أهل كل ناحية، قتالُ من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم، ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام، فإن اضطروا إليهم لزمهم عونهم ونصرهم، لأن المسلمين يدٌ على من سواهم ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn10)).

يقول سيد قطب: إن للإسلام - بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشرية - حقه الأصيل في أن يقيم نظامه الخاص في الأرض، لتستمع البشرية كلها بخيرات هذا النظام، ويستمتع كل فرد في داخل هذا النظام بحرية العقيدة التي يختارها، حيث "لا إكراه في الدين" من ناحية العقيدة .. أما إقامة "النظام الإسلامي" ليظلل البشرية كلها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام وممن لا يعتنقونها، فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام وصيانته، وترك الناس أحراراً في عقائدهم الخاصة في نطاقه. ولا يتم ذلك إلا بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام خير يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة وحرية الاعتقاد في الأرض ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn11)).

فالجهاد مشروع لنا ولكن ليس لإكراه الناس على هذا الدين ولكن لأهداف أخرى ذكرها سيد قطب في تفسيره فقال:

أولا: ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم. فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها، وفتنة أهلها عنها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها. فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم. وإذا كان المؤمن مأذوناً في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه. وقد كان المسلمون يسامون الفتنة عن عقيدتهم ويؤذون، ولم يكن لهم بد أن يدفعوا هذه الفتنة عن أعز ما يملكون. يسامون الفتنة عن عقيدتهم، ويؤذون فيها في مواطن من الأرض شتى.

ثانياً: لتقرير حرية الدعوة - بعد تقرير حرية العقيدة - فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة، وبأرقى نظام لتطوير الحياة. جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها، ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها. فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولا إكراه في الدين. ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة؛ كما جاء من عند الله للناس كافة. وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا. ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتن المهتدين أيضاً. فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية؛ وليقيم مكانها نظاماً عادلاً يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة.

ثالثاً: جاهد الإسلام ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه، وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان؛ حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال، ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها. فليس هنالك فرد ولا طبقة ولا أمة تشرع الأحكام للناس، وتستذلهم عن طريق التشريع. إنما هنالك رب واحد للناس جميعاً هو الذي يشرع لهم على السواء، وإليه وحده يتجهون بالطاعة والخضوع، كما يتجهون إليه وحده بالإيمان والعبادة سواء.

لم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة؛ ولم ينتشر السيف على هذا المعنى كما يريد بعض أعدائه أن يتهموه! إنما جاهد ليقيم نظاماً آمناً يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعاً، ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn12)).

عمر بن عبد المجيد البيانوني

([1]) ـ انظر المستدرك على الصحيحين كتاب المغازي والسرايا رقم (4290)، ودلائل النبوة للبيهقي رقم (1272).

([2]) ـ انظر صحيح البخاري كتاب المغازي رقم (3944)، السنن الكبرى للبيهقي 9: 121.

([3]) ـ رواه مالك في كتاب الجهاد رقم (857)

([4]) ـ رواه ابن أبي شيبة في المصنف 7: 654، وأبو داود في كتاب الجهاد برقم (2247) باختلاف يسير.

([5]) ـ رواه مالك في كتاب الجهاد رقم (858).

([6]) ـ زاد المعاد 1: 178.

([7]) ـ رواه الطبري في تفسيره رقم (5817).

([8]) ـ المجموع 14: 285.

([9]) ـ تفسير الطبري 14: 40.

([10]) ـ تفسير الطبري 14: 574.

([11]) ـ خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 17.

([12]) ـ في ظلال القرآن 1: 273 باختصار وتصرف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير