فالمقصود بقوله تعالى هنا (قبل موته) أي قبل موت عيسى عليه السلام، وهذا يكون في آخر الزمان عند نزوله كما تواترت بذلك الأحاديث.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (2\ 37)
الجواب الصحيح ج4/ص32
ثم طلب لنفسه السلام فقال
(والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا)
والنصارى يقولون علينا منه السلام كما تقوله الغالية فيمن يدعون فية الإلهية كالنصيرية في علي والحاكمية في الحاكم
الوجه الثاني أن يقال إن الله لم يذكر أن المسيح مات ولا قتل إنما قال
(يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا)
وقال المسيح
(فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)
وقال تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ)
سورة النساء الآيات 155 161
فذم الله اليهود بأشياء منها قولهم على مريم بهتانا عظيما حيث زعموا أنها بغي ومنها قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله
قال تعالى (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وأضاف هذا القول إليهم وذمهم عليه
ولم يذكر النصارى لأن الذين تولوا صلب المصلوب المشبه به هم اليهود ولم يكن أحد من النصارى شاهدا هذا معهم بل كان الحواريون خائفين غائبين فلم يشهد أحد منهم الصلب وإنما شهده اليهود وهم الذين أخبروا الناس أنهم صلبوا المسيح والذين نقلوا أن المسيح صلب من النصارى وغيرهم إنما نقلوه عن أولئك اليهود وهم شرط من أعوان الظلمة لم يكونوا خلقا كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب
قال تعالى
(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)
فنفى عنه القتل ثم قال
(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)
وهذا عند اكثر العلماء معناه قبل موت المسيح وقد قيل قبل موت اليهودي وهو ضعيف كما قيل أنه قبل موت محمد صلى الله عليه وسلم وهو أضعف فإنه لو آمن به قبل الموت لنفعه إيمانه به فإن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر
وإن قيل المراد به الإيمان الذي يكون بعد الغرغرة لم يكن في هذا فائدة فإن كل أحد بعد موته يؤمن بالغيب الذي كان يجحده فلا اختصاص للمسيح به ولأنه قال قبل موته ولم يقل بعد موته ولأنه لا فرق بين إيمانه بالمسيح وبمحمد صلوات الله عليهما وسلامه واليهودي الذي يموت على اليهودية يموت كافرا بمحمد والمسيح عليهما الصلاة والسلام ولأنه قال
(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)
وقوله (ليؤمنن به) فعل مقسم عليه وهذا إنما يكون في المستقبل فدل ذلك على أن هذا الإيمان بعد إخبار الله بهذا ولو أريد به قبل موت الكتابي لقال وإن من أهل الكتاب إلا من يؤمن به لم يقل (ليؤمنن به)
وأيضا فإنه قال وإن من أهل الكتاب وهذا يعم اليهود والنصارى فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب اليهود والنصارى يؤمنون بالمسيح قبل موت المسيح وذلك إذا نزل آمنت اليهود والنصارى بأنه رسول الله ليس كاذبا كما تقول اليهود ولا هو الله كما تقوله النصارى
والمحافظة على هذا العموم أولى من أن يدعى أن كل كتابي ليؤمنن به قبل أن يموت الكتابي فإن هذا يستلزم إيمان كل يهودي ونصراني وهذا خلاف الواقع وهو لما قال
¥