ومع ذلك فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب إظهار السنة والشريعة والنهي عن البدعة والضلالة بحسب الإمكان كما دل على وجوب ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة
وكثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة في ذلك فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة فإما أن يؤمر بهما جميعا أو ينهى عنهما جميعا وليس كذلك بل يؤمر وينهى ويصبر عن الفتنة كما قال تعالى وأمر بالمعروف وانه عنه المنكر واصبر على ما أصابك [سورة لقمان 17]
وقال عبادة بايعنا رسول الله ص على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم فأمرهم بالطاعة ونهاهم عن منازعة الأمر أهله وأمرهم بالقيام بالحق
ولأجل ما يظن من تعارض هذين تعرض الحيرة في ذلك لطوائف من الناس والحائر الذي لا يدري لعدم ظهور الحق وتميز المفعول من المتروك ما يفعل إما لخفاء الحق عليه أو لخفاء ما يناسب هواه عليه
والبدعة مقرونة بالفرقة كما ان السنة مقرونة بالجماعة فيقال أهل السنة والجماعة كما يقال أهل البدعة والفرقة وقد بسطنا هذا كله في غير هذا الموضع
وإنما المقصود هنا التنبيه على وجه تلازمهما موالاة المفترقين وإن كان كلاهما فيه بدعة وفرقة أو كانوا مؤمنين فيوالون بإيمانهم ويترك ما ليس من الإيمان من بدعة وفرقة فإن البدعة ما لم يشرعه الله من الدين فكل من دان بشئ لم يشرعه الله فذاك بدعة وإن كان متأولا فيه
وهذا موجود من جميع أهل التأويل المفترقين من الأولين والآخرين فإنهم إذا رأوا ما فعلوا مأمورا به ولم يكن كذلك فليس ما فعلوه سنة بل هو بدعة متأولة مجتهد فيها من المنافقين سواء كانت في الدنيا أو في الدين
كما قال تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا
خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم [سورة التوبة 47] وقال فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله [سورة آل عمران 7]
وتجد أئمة أهل العلم من أهل البدعة والفرقة من أهل الإيمان والنفاق يصنفون لأهل السيف والمال من الملوك والوزراء في ذلك ويتقربون إليهم بالتصنيف فيما يوافقهم كما صنف كتاب تحليل النبيذ لبعض الأمراء وهو الكرخى وقد صنف الجاحظ قبله كتابا لكن أظنه مطلقا وكما صنف ابن فورك كتابا في مذهب ابن كلاب
الرئيسي وكما صنف أبو المعالى النظامية والغياثى لنظام الملك وكما صنف الرازي كتاب الملخص في الفلسفة
لوزير وقته زهير وكتابا في أحكام النجوم لملك وقته علاء الدين وكتابا في السحر وعبادة الأوثان لأم الملك
وكما صنف السهروردي الحلبى المقتول الألواح العمادية في المبدأ والمعاد لعماد الدين قره أرسلان بن داود وقال فيه لما
تواترت لدى مكاتبات الملك فلان وقد أمرني بتحرير عجالة شديدة الإيجاز بينة الإعجاز تتضمن ما لابد من معرفته في المبدأ والمعاد على ما يراه من متأهلة وأساطين الفضلاء فبادرت إلى امتثال مرسومه وتحصيل مطلوبه وكنت قد صادفت مختصرات صنفها بعض المتأخرين لأمراء زمانهم وملوك أزمانهم وسمعت أنها ما انتفعوا بها لأنهم عدلوا عن مصلحة التعليم وطريق التفهيم وما غيروا شيئا من الاصطلاحات الغامضة المأخذ ففوتوا الرعاية لفائدة جزئية لا مصلحة كلية
وكما صنف صاحب دعوة البلاغ الأكبر والناموس الأعظم
الاستقامة كتاب الاستقامة، الجزء 1، صفحة 24 الى صفحة 47.