- يصح في الخمار أن يكون غطاء الوجه والرأس معا، وهذا أمر أقر به الشيخ رحمه، حيث قال عنه: "لا يلزم من تغطية الوجه به أحيانا، أن ذلك من لوازمه عادة، كلا". [جلباب المرأة المسلمة ص73]
- والنتيجة: أن الخمار الشرعي: هو غطاء الوجه والرأس، سواء كان وجوبا أو استحبابا.
لكن قد يأتي الخمار في مصطلح شرعي، ويراد به الرأس فحسب، إذا وجدت القرينة، كما في حديث صلاة المرأة بخمار، وغيره من النصوص التي استدل بها الشيخ الألباني، فالقرينة حاكمة، فإنه من المقطوع به أن المرأة إذا صلت أمرت بتغطية رأسها، دون وجهها وكفيها، فهذا قرينة تدل على أن المقصود بالخمار في الأثر هو غطاء الرأس، لكن إذا خلت من القرينة، فالمصطلح الشرعي للخمار هو غطاء الوجه والرأس.
إذن الأمر عكس ما ذهب إليه الشيخ الألباني: فالخمار إذا أطلق في النصوص الشرعية: دل على غطاء الرأس والوجه معا، سواء على جهة الوجوب، أو الاستحباب [على قول من يقول به]، ليس غطاء الرأس فحسب.
الجهة الثانية: حقيقة قول من فسر الخمار بغطاء الرأس.
يلاحظ في كلام العلماء في تفسير الخمار أنهم قالوا: غطاء الرأس. ولم يذكروا الوجه، ولم ينفوه.
أفلا ينم هذا عن عدم ممانعتهم: أن يكون الخمار شاملا الاثنين، وإن اكتفوا بذكر الرأس؟.
قد يقال وما الداعي لهذا الاحتمال؟.
الجواب: أن الوجه من الرأس، ودخوله في المعنى وارد، وإذا أضيف إلى ذلك أمر الشارع بغطاء الوجه، سواء على جهة الوجوب، أو الاستحباب [لمن قال به]، فهذان وجهان يؤيدان دخول الوجه في المعنى، ويكون العلماء ذكروا الرأس، واستغنوا عن الوجه، لأنه يدخل ضمنا فيه، ونضرب ابن حجر مثلا:
تقدم رأيه رحمه الله في الخمار أنه: غطاء الوجه والرأس. بنصوص صريحة، ومع ذلك وجدناه يقول:
"والخمر، بضم الخاء والميم، جمع خمار، بكسر أوله والتخفيف: ما تغطي به المرأة رأسها" [الفتح 10/ 296، اللباس، باب: الحرير للنساء]
فنحن إزاء هذا بين أمور:
- فأما أن نحكم عليه بالتناقض، ونعرض عن قوله كليا.
- وإما أن نرجح أنه أراد غطاء الرأس، ونبطل قوله الآخر، كما فعل الشيخ رحمه الله تعالى.
- وإما أن نرجح أنه أراد غطاء الوجه والرأس، ونحمل قوله الآخر على الأول.
فأما التناقض فلا وجه له، وذلك لأن التناقض يكون عند تعذر الجمع، وهنا غير متعذر، فالوجه من الرأس، فالاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر وارد، ولو أنه قال في الأول الرأس، وفي الآخر القدم، لصح التناقض.
وأما ترجيح غطاء الرأس دون الوجه فلا وجه له أيضا: وذلك لأننا أمام نصوص عديدة له، كلها يفسر فيها الخمار بغطاء الوجه والرأس، فلا يمكن تجاهل هذه النصوص، وترجيح أن الخمار غطاء الرأس فحسب.
إذن ليس أمامنا إلا ترجيح أنه أراد بالخمار غطاء الوجه والرأس جميعا، ونحمل قوله الآخر على هذا الأول، ولا نعارضه به، لأمور:
(1) لأنه صريح كلامه، في أكثر من موضع.
(2) لأن الوجه من الرأس، فيصح أن يكون مع تغطية الرأس تغطية الوجه، ولا يمتنع ذلك شرعا ولا عقلا، كما يقر الشيخ نفسه بهذا، لما ذكر أن الخمار قد يكون يغطى به الوجه.
(3) لأنه لو أخذنا بقوله أن الخمار غطاء الوجه والرأس، لم نبطل قوله الآخر، لكن لو أخذنا بظاهر قوله أنه غطاء الرأس، ورجحنا أنه أراد الرأس فحسب. نكون أبطلنا قوله الأول. وإذا أمكن إعمال القولين، من غير مانع عقلي أو شرعي، فهو أولى من إبطال أحدهما، ولا مانع عقلي أو شرعي.
ومما يدل على أن العلماء لا يمانعون من دخول الوجه في معنى الخمار، ولو اقتصروا على ذكر الرأس: أنهم عرفوا النصيف، فقالوا: "والنصيف: الخمار" [لسان العرب14/ 166]، ومعروف أن النصيف غطاء الوجه، يدل على هذا:
- ما جاء في لسان العرب [14/ 166]: "قال أبو سعيد: النصيف ثوب تجلل به المرأة فوق ثيابها كلها، سمي نصيفا، لأنه نصف بين الناس وبينها، فحجز أبصارهم عنها". والأبصار لن تحجز إلا بغطاء كامل يدخل فيه الوجه.
¥