فقد تبين لي -بعد بحث طويل- أنه لا تصح نسبة شيء من القبور المنسوبة إلى الأنبياء الكرام -صلوات الله عليهم- والصحابة -رضوان الله عليهم- سوى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبري الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وثلاثتها في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة عائشة رضي الله عنها، وقد صحت الأخبار بذلك وصرحت به، بل هو متواتر تواتراً عرفياً جيلاً بعد جيل.
[/ center]
المشاهد والقبور الصحيح منها والمكذوب، وخطورة التعلق بها
أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام
ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام
ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم
النهي والتحذير من بناء المشاهد والقباب على القبور
ما يستفاد من مجموع هذه الأحاديث والآثار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الناصح الأمين، ورضي الله عن آله وصحابته الغر الميامين، وبعد ..
على الرغم من أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نهى وحذر أمته من التعلق بالقبور، وسدَّ كل الذرائع المؤدية إلى ذلك، ما فتئت طائفة من المسلمين كبيرة متعلقة بذلك، ومتخذة لما حذرهم رسولهم عن اتخاذه من الوسائط والعلائق التي هي أوهى من خيط العنكبوت، مع سبق الإصرار والعزم، والمضي قدماً فيه، رادِّين للأحاديث والأوامر الصريحة.
وليت قومي اكتفوا بما صح من مشاهد وما علم من مقابر، بل اخترعوا مشاهد موهومة ومقابر مزعومة، ومراقد مكذوبة، وبالغوا في تعظيمها، واجتهدوا في تكريمها، ولا يزال الشيطان يزين لهم هذا الباطل، ويؤكده لهم، ويشجعهم ويحثهم على العكوف عليه.
المشاهد والقبور التي يتعلق بها قطاع كبير من المسلمين لبعض الأنبياء والرسل، والعلماء، والصالحين، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو كذب، ومنها ما هو مختلف فيه.
وقد نبه شيخ الإسلام ومفتي الأنام أحمد بن عبد الحليم الإمام الشهير بابن تيمية إلى أهم المشاهد التي يتعلق بها الناس قديماً وحديثاً، وبين الصحيح منها والمكذوب، والمختلف فيها، وإليك خلاصة ما ذكره1 ابن تيمية ومثل به:
أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام
لم يصح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام سوى قبرين، هما:
1. قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وهو منقول بالتواتر، ولم يشك فيه أحد.
2. وقبر الخليل إبراهيم عليه السلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (القبر المتفق عليه هو قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقبر الخليل فيه نزاع، لكن الصحيح الذي عليه الجمهور أنه قبره).
وقال في موضع آخر من الكتاب: (وأما قبر الخليل عليه السلام قالت العلماء على أنه حق، لكن كان مسدوداً بمنزلة حجرة النبي، ولم يكن عليه مسجد، ولا يصلي أحد هناك، بل المسلمون لما فتحوا البلاد على عهد عمر بن الخطاب بنوا لهم مسجداً يصلون فيه في تلك القرية، منفصلاً عن موقع الدير، ولكن بعد ذلك نقبت حائط المقبرة كما هو الآن النقب الظاهر فيه، فيقال: إن النصارى لما استولوا على البلاد نقبوه وجعلوه كنيسة، ثم لما فتحه المسلمون لم يكن المتولي لأمره عالماً بالسنة حتى يسده، ويتخذ المسجد في مكان آخر، فاتخذ ذلك مسجداً، وكان أهل العلم والدين العالمون بالسنة لا يصلون هناك).
ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام
كل مشهد أوقبر أضيف لنبي من الأنبياء سوى نبينا محمد وأبينا إبراهيم عليهما السلام فهو كذب محض، لعدم قيام الدليل على ذلك، مثل المشاهد المضافة إلى كل من نوح، وهود، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ويونس، وإلياس، واليسع، وشعيب، وموسى، وزكريا، ويحيى عليهم السلام، وإليك بعض توضيح ذلك:
1. القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق، هو قبر معاوية، لأن هود بعث باليمن وهاجر إلى مكة ولم يذهب إلى الشام، وقيل إنه مات بمكة، وقيل باليمن.
2. كان بحران مسجد يقال له مسجد إبراهيم يظن الجهال أنه إبراهيم الخليل، وإنما هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عباس، الذي كانت دعوة الخلافة العباسية له، فحبس هناك حتى مات وأوصى بالخلافة إلى أخيه أبي جعفر المنصور.
¥