تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن حمل الرجل على شيخ الإسلام لم يمر بسلام، بل ثارت بسببه فتن، كما مضى وقد أشار إليها ابن حجر وغيره ممن ترجم لأهل تلك الحقبة، ونقوا إنكار الكبار عليه في ذلك، ومن ذلك ما نقله السخاوي عن الحصني فإنه لما دخل حلب جعل يتحاشى لقاء سبط ابن العجمي المعروف بالبرهان محدث حلب، فقال في الضوء اللامع في ترجمة إبراهيم بن محمد بن خليل البرهان أبو الوفاء الشامي الطرابلسي الأصل الحلبي المولد والدار الشافعي سبط ابن العجمي المعروف بالبرهان المحدث، "ولما دخل التقي الحصني حلب بلغني أنه لم يتوجه لزيارته [يعني البرهان المحدث] لكونه كان ينكر مشافهة على لابسي الأثواب النفيسة على الهيئة المبتدعة وعلى المتقشفين، ولا يعدو حال الناس ذلك! فتحامي قصده، فما وسع الشيخ إلا المجيء إليه، فوجده نائماً بالمدرسة الشرقية، فجلس حتى انتبه ثم سلم عليه، فقال له: لعلك التقي الحصني! فقال: أنا أبو بكر. ثم سأله عن شيوخه فسماهم له فقال له إن شيوخك الذين سميتهم هم عبيد ابن تيمية! أو عبيد من أخذ عنه! فما بالك تحط أنت عليه! فما وسع التقي إلاّ أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر يرد عليه"، ثم قال في حق البرهان: "ولم يزل على جلالته، وعلو مكانته، حتى مات مطعوناً في يوم الاثنين سادس عشري شوال سنة إحدى وأربعين بحلب، ولم يغب له عقل بل مات وهو يتلو وصلى عليه بالجامع الأموي بعد الظهر، ودفن بالجبيل عند أقاربه، وكانت جنازته مشهودة ولم يتأخر هناك في الحديث مثله رحمه الله وإيانا" قلت: ولعل ابن سبط ابن العجمي لايحتاج إلى تعريف، وقال بعد أن ذكر هذا الخبر بنحوه بعد ترجمة الحصني: " وذكره [يعني الحصني] المقريزي في عقوده باختصار وقال إنه كان شديد التعصب للأشاعرة منحرفاً عن الحنابلة انحرافاً يخرج فيه عن الحد فكانت له معهم بدمشق أمور عديدة، وتفحش في حق ابن تيمية وتجهر بتكفيره من غير احتشام، بل يصرح بذلك في الجوامع والمجامع، بحيث تلقى ذلك عنه أتباعه واقتدوا به جرياً على عادة أهل زماننا في تقليد من اعتقدوه، وسيعرضان جميعاً على الله الذي يعلم المفسد من المصلح ولم يزل على ذلك حتى مات عفا الله عنه".

قلت وما نقله التقي الحصني عن شيخ الإسلام ابن تيمية وكفره به، يدل على عدم تحقيقه رحمه الله لأقوال الرجال ولا تحققه فيما ينسب لهم، بل ما ذكره ينم عن نقله الأخبار عن بعض من هب ودرج، ولعل هذا أحد أهم الأسباب التي جعلته ينسب للإمام ابن تيمية العظائم التي نص على خلافها كما سوف يأتي بيانه مفصلاً إن شاء الله.

ولعل مما يدل على ذلك أنه –رحمه الله- كان يأتي في أقاصيصه بالعجائب ومن ذلك ما ذكره الصفوري في نزهة المجالس عن قمع النفوس للحصني فقال: "نقل ولي الله تعالى الشيخ العارف بالله تقي الدين الحصني في قمع النفوس أن قاضياً صالحاً حضره الموت، وكان في زمنه رجل ينبش القبور ويأخذ الأكفان، فدعاه وأعطاه ثمن كفنه لئلا يكشف عنه، فلما دفن نبش قبره، فلما قرب من اللحد سمع قائلا يقول: شم قدميه. قال: فيهما معصية! قال: شم بصره. قال: كذب! قال: شم سمعه. قال: إنه أصغى إلى كلام أحد الخصمين أكثر من الآخر فنفخ فيه فالتهب ناراً".

وهكذا نجد الحصني يروي مثل هذه الأقاصيص معتبراً بها رغم نكارتها الظاهرة! أفيعقل أن يعرف القاضي أو غيره من ذوي السلطان بمثل هذا المجرم ثم يلجأ إلى مساومته؟ أليس الأجدر به أن يأمر بحبسه وإنزال العقوبة به؟ ثم كيف عرف القاضي أن أجله قد حان؟ ثم مايضيره أن يذاع بعد موته مايذاع أفيضير الشاة شيء بعد ذبحها! ألم يكن الأولى أن يرجع ويتوب؟ ثم كيف عرف صاحبنا بهذه القصة هل أخبره القاضي أو أذاعها اللص وكان ثقة صالح! ثم انظر إلى طريقة اكتشاف المعاصي! أيعقل أن يكون كتاب الملكين قد ضل عنهما حتى يلجآن إلى الشم!

والشاهد أن اعتبار الحصني بمثل هذه الأخبار التي ليس لها خطام أو زمام يبين شيئاً من سبب تحامله على العلم الإمام تقي الدين شيخ الإسلام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير