تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فتحققُ الصحابةِ بعلوم الشريعة ليسَ كتحققِ التابعين؛ والتابعونَ ليسوا كتابعيهم؛

وهكذا إلى الآن، ومَنْ طالعَ سيرهَم وأقوالَهم وحكاياتِهم أبصرَ العَجبَ في هذا

المعنى، وأما الخَبَرُ ففي الحديث: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم

الذين يلونهم» ... والأخبارُ هنا كثيرةٌ، وهي تدلُ على نقصِ الدينِ والدنيا،

وأعظمُ ذلكَ العلم، فهو إذاً في نقصٍ بلا شك؛ فلذلك صارتْ كتب المتقدمين

وكلامهم وسيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أيّ نوعٍ كان،

وخصوصاً علم الشريعة الذي هو العروةُ الوثقى، والوزَر الأحمى وبالله تعالى

التوفيق» [6].

وقال الذهبي: «جزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين

في الحفظ والمعرفة» [7].

وقد عَقَد ابنُ القيم في كتابه: «إعلام الموقعين» فصلاً لبيان فضل علم

السلف قال في أوله: «فصل في جواز الفتوى بالأثار السلفية والفتاوى الصحابية،

وإنها أوْلى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم، وأن قربها إلى الصواب بحسب

قرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأن فتاوى

الصحابة أوْلى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أوْلى من فتاوي

تابعي التابعين، وهلم جراً، وكما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب

وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل؛ كما أن عصر

التابعين وإن كان أفضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل

شخص شخص، ولكنِ المفضلون في العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر

المتأخر، وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم؛ فإن

التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ... «

[8].

ومِنْ علاماتِ أهل البدع: الوقيعةُ في سلفِ الأمة ورميهم بالجهل تارةً، وبعدم

الفهم والسذاجة تارة كما يقولون: «منهج السلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم

وأحكم».

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: «ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتابَ

والسنةَ وما اتفق عليه أهلُ السنةِ والجماعةِ من جميعِ الطوائف أنّ خيرَ قرونِ هذه

الأمة في الأعمالِ والأقوالِ والاعتقادِ وغيرها من كل فضيلةٍ أنّ خيرها القرنُ الأولُ

ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما ثَبَتَ ذلكَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غيرِ

وجهٍ، وأنهم أفضلُ من الخَلَفِ في كل فضيلةٍ من علمٍ وعملٍ وإيمانٍ وعقلٍ ودينٍ

وبيانٍ وعبادةٍ، وأنهم أوْلى بالبيانِ لكل مُشْكلٍ، هذا لا يدفعُه إلاّ من كابرَ المعلوم

بالضرورة من دين الإسلام، وأضله الله على علمٍ، كما قال عبدُ الله بن مسعود

- رضي الله عنه -: «مَنْ كانَ منكم مستناً فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن

عليه الفتنة، أولئكَ أصحابُ محمد؛ أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها

تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا

بهديهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم». وقال غيره: عليكم بآثارِ مَنْ سَلَفَ؛

فإنهم جاؤوا بما يكفي وما يشفي، ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه. هذا وقد

قال صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا

ربكم»، فكيف يحدث لنا زمان في الخير في أعظم المعلومات وهو معرفة الله

تعالى هذا لا يكون أبداً وما أحسن ما قال الشافعي - رحمه الله - في رسالته: هم

فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى،

ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا» [9].

قال ابنُ رَجَب: «وقد ابتلينا بجَهَلةٍ من النّاس يعتقدون في بعض من توسع

في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم؛ فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من

كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول هو أعلم

من الفقهاء المشهورين المتبوعين ... وهذا تنقُّص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن

بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم» [10]، وقال: «فلا يوجد في كلام من

بعدهم من حق إلاّ وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في

كلام من بعدهم من باطل إلاّ وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد

في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يلم به،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير