تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: علماً رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، قلتُ له: فتحمل فصّ ياقوت

إلى واحدٍ من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا

ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج، وأن هذا ياقوت هل حضرت

الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه

بأنه صاغ هذا زجاجاً، قال: لا، قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علم رزقت،

وكذلك نحن رزقنا علماً لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأنّ هذا الحديث كذب،

وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه» [12].

وتأمل أيضاً هذه القصة التي ذكرها أبو يعلى الخليليُّ. قال: أخبرنا علي بنُ

عُمَر الفقيه قال: حدّثنا أبو محمد عبد الرحمن بنُ أبي حاتم قال: سمعتُ أبي يقول:

دخلتُ قَزوين سنةَ ثلاث عشرة ومائتين مع خالي محمد بن يزيد، و داود العقيلي

قاضيها، فدخلنا عليه فدفع إلينا مَشْرَساً [13] فيه مسند أبي بكر؛ فأولُ حديثٍ رأيتُه

فيه: حدثنا شعبةُ عَنْ أبي التَيّاح عَنْ المغيرة بن سُبَيْع عَنْ أبي بكر الصديق قال:

قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجالُ من أرضٍ يقال لها: خراسان

يتبعه أقوامٌ كأنّ وجهوهم المجانُّ المُطرَقَةُ» [14]، فقلتُ: ليس هذا من حديث شعبة

عَنْ أبي التَيّاح، وإنما هو من حديثِ سعيد بن أبي عَرُوبة و عبد الله بن شَوْذَب عَنْ

أبي التَيّاح، فقلتُ لخالي: لا أكتبُ عنه إلاّ أن يرجع عَنْ هذا، فقال خالي: أستحي

أن أقول، فخرجتُ ولم أسمعْ منه شيئاً» [15].

وذكرها ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل [16] باختصار فقال: «سمعتُ أبي

يقول: داود بن إبراهيم هذا متروك الحديث كان يكذب، قدمتُ قزوين مع خالي

فحمل إليَّ خالي مسنده فنظرتُ في أول مسند أبي بكر رضي الله عنه فإذا حديث

كذب عَنْ شعبة، فتركته وجهد بي خالي أن أكتب منه شيئاً، فلم تطاوعني نفسي،

ورددتُ الكتب عليه».

هذه القصة التي وقعت لأبي حاتم وعمره ثمانية عشر تبيّن مدى ما وَصَل إليه

القوم من سعة حفظ، وسرعة استحضار، ودقة نقد، وقوة في الحق؛ فالحديثُ

ورجالهُ وطرقهُ تجري مع أنفاسهم كما يجري الهواء، وعندما يسمعون الخطأ

والوهم لا يقاومون الدافع الشرعي المتأصل في نفوسهم في رد وتصحيح هذا الوهم

والخطأ مهما كانت منزلة الواهم والمخطئ، فلا محاباة في الذّب والدّفاع عَنْ

سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لا لقريبٍ ولا لشريفٍ، وهذا في الحقيقة من

حفظ الله لهذا الدين.

وقصصُ أئمةِ الحديثِ وأخبارهُم في هذا البابِ كثيرةٌ جداً؛ فعلى طالب العلم

أنْ يعرفَ للقومِ منزلتهم، وقدم صدقهم فيتأنّى كثيراً عندما يهمُّ بمخالفتهم أو تعقبهم

خاصةً في جوانب الحديث الدقيقة كالعلل.

3 - جمعُ طرقِ الحديث، والنظر فيها مجتمعةً، ومعرفة مراتب رواتها،

قالَ الخطيبُ البغداديّ رحمة الله عليه: «والسبيلُ إلى معرفةِ علة الحديث أنْ يجمع

بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان

والضبط، كما أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال:

سمعتُ أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعتُ عثمان بن سعيد الدارمي

يقول: سمعتُ نعيم بن حماد يقول: سمعت ابن المبارك يقول: إذا أردتَ أن يصحَّ

لكَ الحديث فاضرب بعضه ببعض» [17].

وقال علي بنُ المديني رحمة الله عليه: «البابُ إذا لم تجمع طرقه لم يتبين

خطؤه» [18]، وقال يحيى بنُ معين رحمة الله عليه: «اكتب الحديث خمسين مرة،

فإنّ له آفات كثيرة» [19]، وقال ابن رجب: «معرفة مراتب الثقات، وترجيح

بعضهم على بعض عند الاختلاف، إمّا في الإسناد، وإمّا في الوصل والإرسال،

وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة

ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث» [20]. وقال ابنُ حجر: «ويحصل

معرفة ذلك بكثرة التتبع وجمع الطرق» [21]، وقال ابن الصلاح رحمة الله عليه:

«ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك

تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو

دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك» [22].

4 - اتباعُ منهجٍ منضبطٍ عند دراسةِ الحديثِ المُعل يوافق طريقة الأئمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير