فهذه نقولٌ مختصرة جمعتُها من بعض الكتب الموجودة بين يدي ولا أريد الإطالة في النقل لأني أظن أنه أصبح واضحاً في الأذهان أن الجورب الذي مسح عليه الصّحابة، ورخّص العلماء بالمسح عليه يختلف عن الجورب المعروف في أيّامنا هذه. ولكي أوضح الأمر أكثر أقول:
ــ قال العظيم آبادي في عون المعبود ج1 صـ182: " .. فالإمام أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه والثوري وعبد الله بن المبارك ومحمد بن الحسن وأبو يوسف ذهبوا إلى جواز مسح الجوربين سواء كانا مجلّدين أو منعّلين أو لم يكونا بهذا الوصف بل يكونان ثخينين فقط بغير نعل ٍوبلا تجليد، وبه قال أبو حنيفة في أحد الروايات عنه، واضطربت أقوال علماء الشافعية في هذا الباب؛ وأنت خبير أن الجورب يتخذ من الأديم، وكذا من الصوف وكذا من القطن ويقال لكل من هذا: إنه جورب. ومن المعلوم أن هذه الرخصة، بهذا العموم، التي ذهبت إليها تلك الجماعة لا تثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين اللذَين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلّم كانا من صوف سواء كانا منعّلين أو ثخينين فقط، ولم يثبت هذا قط. فمن أين عُلِمَ جواز المسح على الجوربين غير المجلّدين؟ بل يُقال: إن المسح يتعيّن على الجوربين المجلّدين لا غيرهما؛ لأنهما في معنى الخف، و الخف لا يكون إلا من أديم. نعم لو كان الحديث قولياً بأن قال النبي صلى الله عليه وسلّم (امسحوا على الجوربين) لكان يمكن الاستدلال بعمومه على كل أنواع الجورب، وإذ ليس فليس.
فإن قلتَ: لما كان الجورب من الصوف أيضاً احتمل أن الجوربين اللَذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلّم كانا من صوف أو قطن إذ لم يبيّن الراوي؟ قلت: نعم الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من أديم وكذا من قطن، ولكن ترجّح الجانب الواحد وهو كونه من أديم؛ لأنه يكون حينئذٍ في معنى الخف، ويجوز المسح عليه قطعاً، وأمّا المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: (دع ما يريبك إلى ما لايريبك). انتهى
ــ جاء في " المغني " لابن قدامة الحنبلي ج1 صـ 373:
مسألة: قال: (وكذلك الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه) إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف , أحدهما أن يكون صفيقاً , لا يبدو منه شيء من القدم. الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه. هذا ظاهر كلام الخرقي. قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل: إذا كان يمشي عليهما , ويثبتان في رجليه , فلا بأس. وفي موضع قال: يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب. وفي موضع قال: إن كان يمشي فيه فلا ينثني , فلا بأس بالمسح عليه , فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء. ولا يعتبر أن يكونا مجلدين. انتهى
وجاء فيه أيضاً ج 1 صـ 374
فصلٌ: وقد سئل أحمد عن جورب الخِرَق , يُمْسَحُ عليه؟ فكره الخرق. ولعل أحمد كرهها ; لأن الغالب عليها الخفة , وأنها لا تثبت بأنفسها. فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت , فلا فرق. وقد قال أحمد , في موضع: لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جورباً صفيقاً , يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين , إنما مَسَحَ القومُ على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف , يقوم مقام الخف في رجل الرجل , يذهب فيه الرجل و يجيء. وجاء فيه أيضاً ج1 صـ376
فصل: ولا يجوز المسح على اللفائف و الخِرَق. نصَّ عليه أحمد. وقيل له: إن أهل الجبل يلُفُّون على أرجلهم لفائف إلى نصف الساق؟ قال: لا يجزِئُه المسح على ذلك، إلا أن يكون جورباً. وذلك أن اللفافة لا تثبت بنفسها، إنما تثبت بشدّها، ولا نعلم في هذا خلافاً. انتهى
فكما ترى، المجوِّزون للمسح على الجوربين يتحدّثون عن جوارب مختلفة تماماً عن الجوارب التي يلبسها الناس في أيّامنا هذه، فالجورب قديماً كان مما يذهب فيه الرجل ويجيء، أي هو نوع من الأحذية يشبه الخفّ.
ــ وقد يستشهدُ بعضهم بحديث ثوبان في مسند الإمام أحمد قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلّم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين)، ويقولون إن التساخين كل ما تسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما*.
..................
¥