تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و أقول الجزم بالتبديع فيما ذكر ههنا فيه نظر، إذ لا يخفى أن من قبض بيمينه على شماله فقد وضعها عليها، و لا يتأتى قبض بدون وضع. و الظاهر من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبض باليمنى على اليسرى تارة. و تارة يضعها عليها بدون قبض. و القبض يستلزم الوضع، و لا ينعكس. و إذا كان من المعلوم أن القبض لا يكون إلا بعد الوضع فكيف يطلق على فاعله أنه مبتدع.

التنبيه الثالث

قال المؤلف في حاشية صفحة 48 تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه و سلم في الدعاء المشهور: " و الشر ليس إليك " ما نصه: (أي لا ينسب الشر إلى الله تعالى لانه ليس من فعله تعالى، بل أفعاله عز و جل كلها خير لأنها دائرة بين العدل و الفضل و الحكمة، و هذا كله خير لا شر فيه. و الشر إنما صار شراً لانقطاع نسبته و اضافته إليه تعالى. قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: و هو سبحانه خالق الخير و الشر، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه و فعله، و لهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير محله فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها و ذلك خير كله. و الشر وضع الشيء في غير محله فإذا وضع في محله لم يكن شراً فعلم أن الشر ليس إليه. ا. هـ.

و أقول: في أول كلام الشيخ الألباني نظر، لأن إخراج الشر من أفعال الله تعالى يقتضي أن يكون للشر خالق غير الله تعالى، و هذا من أقوال المجوس و القدرية، و قد قال الله تعالى (الله خالق كل شيء) و قال تعالى (هل من خالق غير الله) و قال تعالى (و نبلوكم بالشر و الخير فتنة) و هذه الآية الكريمة صريحة في رد قول من قال إن الشر ليس من فعل الله تعالى. و مثلها قوله تعالى (و بلوناهم بالحسنات و السيئات) أي بالنعم و المصائب (لعلهم يرجعون) و قوله تعالى (و إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من من عند الله و إن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله ... ) الآية. و قال تعالى (و إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال) و قال تعالى (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة) و قال تعالى إخباراً عن الجن (و أنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً). قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: و هذا من أدبهم في العبارة حيث اسندوا الشر إلى غير فاعل، و الخير أضافوه إلى الله عز و جل انتهى.

و قال تعالى (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله و غضب عليه و جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت أولئك شر مكاناً و أضل عن سواء السبيل). و قال تعالى (قل أفانبئكم بشر من ذلكم النار و عدها الله الذين كفروا و بئس المصير) و قال تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقدر) و قال تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنماً يصعد في السماء، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) و قال تعالى (فأما من أعطى و اتقى، و صدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، و أما من بخل و استغنى، و كذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى) و قال تعالى (فألهمها فجورها و تقواها).

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تبارك و تعالى خالق الخير و الشر و أنه لا يكون في الوجود شيء إلا بقضائه و قدره، و ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن، و أنه تبارك و تعالى يفعل بمن شاء من عباده خيراً و ييسر لهم أسباب ذلك نعمة منه و فضلا، و يفعل بآخرين شراً و ييسر لهم أسباب ذلك حكمة منه و عدلاً، لا يسأل عما يفعل و هم يسألون.

و في الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول (اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، و أعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) رواه الحاكم في مستدركه من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – و صححه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير