تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و في حديث آخر (أسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً) رواه ابن ماجه من حديث عائشة – رضي الله عنها – و صححه الحاكم و وافقه الذهبي في تلخيصه. و في حديث المنام المشهور أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه و سلم (يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، و ترك المنكرات، و حب المساكين، و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) رواه الترمذي و غيره من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – و قال الترمذي: حسن غريب. و رواه الإمام أحمد و الحاكم و غيرهما من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه -.

و رواه الحاكم أيضاً من حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي – رضي الله عنه – و قال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه، و وافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه.

و في هذه الأحاديث مع ما تقدم من الآيات أبلغ رد على من قال: إن الله تعالى لم يخلق الشر أو إن الله تعالى لا يفعله بأحد من خلقه. كما يقول ذلك المجوس و القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة.

قال الخطابي: إنما جعلهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين و هما النور و الظلمة، يزعمون أن الخير من فعل النور، و الشر من فعل الظلمة، فصاروا ثانوية، و كذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله عز و جل، و الشر إلى غيره.

و الله سبحانه و تعالى خالق الخير و الشر لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته، و خلقه الشر شراً في الحكمة كخلقه الخير خيراً. فالأمران معا مضافان إليه خلقاً و إيجاداً، و إلى الفاعلين لهما من عباده فعلا و اكتساباً. انتهى.

و أحسن ما قيل في قوله صلى الله عليه و سلم (و الشر ليس إليك) ما نقله النووي عن الخطابي، و نقله ابن الأثير عن الهروي: إنه إرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى بأن تضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب.

قلت و هذا كما أخبر الله تعالى عن الجن أنهم أضافوا الخير إليه، و أضافوا الشر إلى غير فاعل، و مثل ذلك ما في فاتحة الكتاب (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم و لا الضالين). ففي هؤلاء الآيات الكريمات الإرشاد إلى الأدب في الدعاء و الثناء على الله تعالى بأن تضاف إليه محاسن الأمور كالانعام و الهداية و غير ذلك من أنواع الخير بأن يضاف الشر و الغضب و ما في معنى ذلك إلى غير فاعل مع العلم بأن الله تعالى هو خالق الخير و الشر و المتصف بالانعام و الغضب.

قال النووي – رحمه الله -: و أما قوله (و الشر ليس إليك) فمما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى و خلقه، سواء خيرها و شرها، و حينئذ يجب تأويله، و فيه خمسة أقوال أحدها معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد، و النضر بن شميل، و إسحاق بن راهويه، و يحيى بن معين، و أبو بكر بن خزيمة، و الأزهري، و غيرهم.

و الثاني حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني و قاله غيره أيضا معناه لا يضاف إليك على انفراده، لا يقال يا خالق القرده و الخنازير، و يا رب الشر، و نحو هذا، و إن كان خالق كل شيء، و رب كل شيء، و حينئذ يدخل الشر في العموم.

و الثالث: معناه و الشر لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح.

و الرابع: معناه و الشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة، و إنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين.

و الخامس: حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أوصفوه إليهم. انتهى.

و القول الرابع هو الذي قرره ابن القيم – رحمه الله تعالى – كما تقدم في كلامه فإنه قرر أولاً أن الله تعالى خالق الخير و الشر، ثم قرر أن الشر إنما يكون شراً بالنسبة إلى المخلوقين، و أما بالنسبة إلى الخالق فلا يكون شراً، لانه لا يضع شيئاً إلا في محله اللائق به، و هذا معنى قوله " لا في خلقه و فعله " يعني أن خلقه و فعله الشر لا يسمى في حقه شراً لانه تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها و عدل لا يجور و لا يظلم أحداً فعلم من هذا أن الشر ليس إليه، و أن خلقه و فعله كله خير، و إن تضرر بذلك بعض المخلوقين، و كان شراً بالنسبة إليهم.

فإن قيل إن كلام الشيخ الألباني قريب من كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى – فما وجه الاعتراض على الألباني؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير