وأعمل أهل الظاهر ذلك كله في بابه ومحله ولم يتجاوزوه البتة ..
ولبيان ذلك أقول ..
دلت النصوص العامة في باب الشهادة على ما يلي ..
أولا ..
أن أقسام الشهادة باعتبار عدد الشهداء ..
إما أنهم أربعة ..
وإما اثنان ..
ومن دلالات النصوص العامة ..
أن الرجال والنساء يحق لهم الشهادة في الأصل ..
طبعاً مع تحقق شروط الشهادة في كليهما ..
ثم نظروا إلى النصوص ولاحظوا التخصيص ..
وأن النص هذا مخصص أو مستثنى ـ إذ التخصيص استثناء عندهم ـ من ذلك العموم ..
ومن تلك المخصصات ..
التخصيص الأول ..
أن في بعض الأبواب طلب أكثر من شاهدين ..
التخصيص الثاني ..
يكفي في بعض الأبواب شاهدين فقط ..
التخصيص الثالث ..
يكفي في بعض الأبواب أيضاً شهادة شاهد واحد ..
التخصيص الرابع ..
أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في بعض الأبواب ..
وإن كانت تلك القضية عامة باعتبار بيان حقيقة شهادة كليهما ..
التخصيص الخامس ..
يكفي في بعض الأبواب أن يكون الشاهد شاهداً واحداً ..
التخصيص السادس ..
أن شهادة المرأة تكون شهادة كاملة كشهادة الرجل بلا فرق في بعض الأبواب ..
واعتبار شهادة المرأة كاملة في باب من الأبواب كالرضاع مثلاً ..
إذا لا يقال أن شهادتها كان نصف شهادة ..
وإلا ردت هذه الشهادة ورد حكمها التي توجبه مما يعني رد النص الموجب لقبول تلك الشهادة ..
وذلك باطل ..
فإذا عمل أهل الظاهر بتلك العمومات مع ما خصصها من النصوص لا بد أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من قول ..
لكني سأحرر لك مسألة أخرى وهي مسألتك ..
هل يحق للنساء أن يشهدوا في كل شيء تطلب فيه الشهادة أو لا .. ؟!
فوجد بعض الظاهريين أن الشارع طلب الشهادة من العدول ..
وأن العدالة تتحقق في الرجال والنساء سواء سواء بلا فرق ..
ووجدوا أن الشارع يتحدث بصيغة تتناول الرجال ويدخل تحتهم النساء ..
ووجدوا أن الشارع يتحدث بصيغة تتناول النساء وكذلك يدخل تحتم الرجال في بعض الأحوال ..
ووجدوا أن الشارع خصص بعض هذه الصيغ ولم يدخل هذا تحت هذه أو العكس فيما يطلب من كل منهما دون الآخر ..
ووجدوا أن الشهادة تطلب من الجميع رجالاً كانوا أم نساء بلا فرق متى ما كانوا مسلمون عدول ..
ووجدوا أن هناك إجماعاً مزعوماً يمنع من ذلك كله أو بعضه ..
وحققوا الإجماع ووجدوه لا يصح ..
فعلموا يقيناً أن العموم الوارد مع ما خصصه هو الحق المتبع ..
وخطابات الشارع للعباد استمرت كما هي إلا ما خصصه الشارع من ذلك ..
فعملوا بالنصوص ـ جمعاً بين العموم والتخصيص ـ أن دعوى عدم قبول شهادة النساء في الحدود وغيرها باطلة ..
وأجازوا أو أوجبوا في بعض الأحوال شهادة الرجال والنساء ..
بحسب ما دلت عليه النصوص العامة وما خصصها في كل موضع بلا زيادة ولا نقصان ولا تأويل ..
وقالوا بصحة شهادة النسوة بضعف عدد الرجال باعتبار النصفية ..
ولم يقعوا بتناقض في قولهم البتة ..
وقد خالف بعض أئمة المذاهب في مسألة رد شهادة المرأة في الرضاع مع مجيئها كالشمس في السنة الثابتة وقول عامة السلف بذلك .. !
وتلك المخالفة كمخالفة عطاء لجمهور العلماء ولا فرق .. !
وكذلك تلميذ له في رد شهادة المرأة إذا انفردت في كل شيء .. !
وكذلك أحد أئمة المذاهب في قبول شهادة المرأتين في الأموال والقسامة دون رجل .. !
فإن قال قائل ..
إن الشهادة في الأموال يطلب فيها رجلين أو رجل وامرأتين ..
يقال له ..
النص ورد في الديون المؤجلة وليس في الأموال مطلقاً .. !
فإن احتج بحديث أن شهادتها بنصف شهادة الرجل ..
فلأهل الظاهر الحق في العجب من استدلال يبطل هذه الدلالة لعموم ورد ..
ثم يستدل بها لنص آخر ودلالة يريد إثباتها .. !
بل الحق أن النص في شهادة المرأة وأنها نصف شهادة الرجل وغيره من النصوص إذا جمعت أن فيها دلالات كثيرة ..
منها ما ألغته النصوص الأخرى بالتخصيص ومنه ما بقي لم يخصص ..
ومن الأمور التي لم تلغى ..
أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في سائر الأبواب عدا الرضاع ..
إذ أن شهادة المرأة في الرضاع شهادة كاملة لا تعتبر نصف شهادة كما قدمت ..
وبقيت نصفية هذه الشهادة في كل شأن وباب يطلب فيه شهادة الرجل ..
ومن يزعم أنها ألغيب فعليه البرهان ولن يجده ..
ومن قال أين برهان أهل الظاهر في بقاء هذه الدلالة ..
¥