تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا اعترضَت طريقَ العبد عَقَبةٌ كَؤودٌ، أو استَعصى عليه أمرٌ من أمور الدُّنيا، فسبيلُه الصَّبرُ والالتجاءُ إلى الله بالدعاء، وقد علَّمَنا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- دعاءً تُذلَّل به الصِّعابُ، وتيسَّر به المشاقُّ، وهو قوله: ((اللهُمَّ لا سَهْلَ إلا ما جَعَلتَهُ سَهْلاً، وأنت تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شئتَ سَهْلاً))

[أخرجه ابن حبان من حديث أنس]،

فالله وَحدَه القادرُ على تَفريج الكُروب، وتيسير العَسير. والحَزْنُ (بفتح الحاء، وسكون الزاي): ما غَلُظَ من الأرض وخَشُنَ وارتَفَع.

ومعناهُ في هذا الحديث: كلُّ أمر شاقٍّ وَعْر مُتَصَعِّب، وهو عكسُ السَّهْل الهيِّن.

وما أكثرَ ما يُخطئ الخطباءُ والكَتَبَةُ فيضبطونها: الحَزَن (بفتح الحاء والزاي)، فيُحيلون المعنى عن وجهه المراد؛ لأن الحَزَن كالحُزْن، وهو: الهَمُّ والغَمُّ، ومنه قوله تعالى:} الحَمدُ لله الَّذي أذْهَبَ عنَّا الحَزَن {[فاطر / 34].

ومما يقعُ الوَهَمُ في ضبطه من حديث النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: قولُه: ((مَطْلُ الغَنيِّ ظُلمٌ))

[متفق عليه من حديث أبي هريرة]،

فيقولون: مُطْل (بضم الميم)،

والصواب: مَطْل (بفتحها)،

والمَطْلُ: هو تأجيلُ مَوعِد الوَفاء بالحقِّ وتَسويفُه مرَّة بعد أُخرى.

وقد عدَّ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -فاعلَ ذلك - مع قُدرته على أداء الحقِّ (من دَيْن، أو أُجْرة، أو مُكافَأة ... ) - ظالمًا، وقد حرَّم الله سبحانه الظُّلمَ على نفسه، وجعَلَه بين الناس مُحرَّمًا، فيا لسوء عاقبة الظَّلَمة من الأثرياء المُوسِرين الذين يَمطُلونَ عمَّالهم وموظَّفيهم حقوقَهم!!

ومنه أيضًا: قولُه – صلى الله عليه وسلم -: ((لا رُقْيَةَ إلاَّ مِن عَينٍ أو حُمَة))

[أخرجه أحمد من حديث عِمرانَ بن حُصَين]

فيضبطونها: حُمَّة (بتشديد الميم)، والحُمَّةُ والحُمَّى بمعنًى واحد،

وهو: ارتفاعُ حرارة الجسم من مَرَضٍ وعِلَّة [من الجذر (ح م م)]، وليس هذا المرادَ في حديثنا،

والصوابُ فيها: تخفيفُ الميم، حُمَة [من الجذر (ح م ي)

وهي: سَمُّ كلِّ ما يَلدَغُ ويَلسَعُ، وتُطلَق أيضًا على الإبْرَة التي بها يُلدَغ ويُلسَع.

تقدَّم في الحَلَقات السابقة التنبيهُ على مجموعة من الأخطاء والأوهام التي تقعُ في ضبط بعض ألفاظ حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وبيَّنَّا خطورةَ الخطأ فيها، وما قد يترتَّب على ذلك من خَلط في المعنى وفساد.

ونَعرضُ في هذه الحَلْقَة لخطأ يقعُ فيه خواصُّ طلبة العلم، بَلْهَ العامَّة، وهو: ضبطُ الفعل (تعجز) في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمنُ القَويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله منَ المؤمن الضَّعيف، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُك، واستعِنْ بالله ولا تَعْجِز، وإن أصابَكَ شيءٌ فلا تقُل: لو أنِّي فعَلتُ كان كذا وكذا، ولكنْ قُل: قَدَرُ الله وما شاءَ فعَل؛ فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشيطان))

[أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة].

وقلَّما يُضبَط هذا الفعلُ على الصَّواب، وأكثرُ ما يُضبَط في الكتب رَسمًا، ويَنطِقُ به الخطباءُ والمتكلِّمون لفظًا: (تَعْجَز) بفتح الجيم، وهو خطأٌ مخالفٌ لما نصَّ عليه غيرُ إمام من شُرَّاح كتب السنَّة؛ من أنها: بكسر الجيم؛ لأن الفعلَ (عجز) هنا من العَجْز الذي هو: الضَّعفُ وانقطاعُ الحيلَة دونَ الأمر، فهو بوزن ضَرَبَ، أي: عَجَزَ يَعْجِزُ (بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المضارع).

وأما إذا كان بوزن فَرِحَ، أي: عَجِزَ يَعْجَزُ (بكسر الجيم في الماضي، وفتحها في المضارع) فيكون من العَجيزَة، وهي: مُؤخَّرُ المرأة، يقال: عَجِزَت المرأةُ تَعْجَزُ: إذا عَظُمَت عَجيزَتُها.

وذهب الفرَّاء إلى أن الفعلَ عَجِزَ (بالكسر) من العَجْز: لغةٌ لبعض قَيْس عَيْلان (قبيلة عربية)، وذهب غيرُه إلى أنها لغةٌ رديئةٌ. قال الفيُّومي: وهذه اللغةُ غيرُ معروفة عند قَيْس عَيْلان، ونقل عن ابن الأعرابيِّ (وهو أحدُ أئمَّة العربيَّة ورواتها المتقدِّمين) قولَه: لا يُقال عَجِزَ الإنسانُ بالكسر: إلا إذا عَظُمَت عَجيزَتُه.

لم يدَعْ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم - من حقٍّ وخيرٍ إلا وهَدانا إليه ورغَّبَنا فيه، ولم يَترُك من باطلٍ وشرٍّ إلا ونَهانا عنه وحذَّرَنا منه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير