وأما الأجر والقربة فلأن المرأة لا تأخذ في أيام شهرها من أجر الصلوات ما يأخذ الرجل. وإن لم تكن قد حرمت كل الأجر كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر، كُتِب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم). لكن ليس هو كأجر من اجتهد فتحقق منه العمل، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم للفقراء الذين غبطوا الأغنياء على ما فُضّلوا به من الصدقة بفضائل أموالهم وهم يتمنون أن يفعلوا كما يفعلون، قال لهم: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) رواه الإمام مسلم.
ثم يحصل لها من النقص بترك الصلاة والصوم كذلك ما يترتب عليهما من الخشوع وقرب القلب، كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) وقال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقال: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وقال رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (والصوم جنة) أي من المعاصي، والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى هذا نقول أن للرجال مطلق فضل قد فضلهم الله به على النساء، وهو زيادة دينهم على دينهن.
ومثَل هذه الزيادة كزيادة دين الغني على الفقير أن وجبت عليه الزكاة واستحبت له الصدقات واستطاع الجهاد بماله وغير ذلك. وكذلك زيادة إيمان العالم على الجاهل، لما شرع له الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والجهاد باللسان والتعليم وغير ذلك. وكذلك زيادة دين ولاة الأمر على الرعية، لما شرع الله لهم من السلطان وإقامة الحدود وإصلاح الشؤون وغير ذلك. فتفضيل دين الرجل على دين المرأة كتفضيل دين أولئك على دين أولئك. ولذلك فللأنبياء من الدين ما لا يكون لمثله من غيرهم، لما فضلهم الله تعالى به من الخصائص والفضائل.
وعليه فقد يزيد دين المرأة العالمة الغنية ذات الجاه على دين الرجل الفقير الجاهل الضعيف. وهذا فضل مطلق، لكن قد يكمّل هذا الرجل الجاهل دينه الناقص، فيكون في عليين، بينما تضيّع المرأة العالمة دينها الزائد فتكون في السافلين.
ولعل المثال الذي يوضح ذلك هو ما تراه العيون. فلو أتيت بإناءين، أحدهما سعته لتر، والآخر سعته لتر وربع فهو أكبر، ثم صببت في ذي اللتر تُسعَه قربَ أن يمتلئ، وصببت في الآخر ثمن لتر قرابة ثلاثةِ أرباعه. فالإناء الصغير كمثل ذي الدين الناقص، ثم قد يمتلئ أو ينتصف أو يفرغ. والإناء الكبير كمثل ذي الدين الكامل، ثم قد يمتلئ كذلك أو ينتصف أو يفرغ. والماء كالإيمان، قد يكثر في الإناء حتى يملأه وقد يفرغ الإناء منه.
والذي يؤكد هذا المعنى – أن النقص في دين المرأة لا في إيمانها - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع) وذكرهن رضي الله عنهن. ففي هذا الحديث أن أولئكم النسوة قد كمّلن دينهن، ومع ذلك فقد كنّ يحضن كما تحيض النساء، فدل على أن النقص ليس في إيمانهن وقلوبهن، وإنما هو في القدر المشروع لهن من الدين.
ثم لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوضح ذلك، وهو الفصيح البليغ، حيث قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين) أي: (ولا ناقصات دين) ضرورةَ العطف. وكلمة (ناقص) اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وكلمة (دين) مضاف إليه لفظي مجرور في محل رفع فاعل. وتقدير الكلام: (ما رأيت مِن مَن نقُص دينُها). فيكون النقص مسنداً إلى الدين، لا إلى المرأة. وهذا واضح لا مراء فيه.
وبذلك نصل إلى النتيجة، وهي أن دين الإنسان قد يختلف باختلاف أحواله، باختلاف ماله وعلمه وسلطانه وجنسه، بل ربما وباختلاف جيرانه وأهل بيته، والله أعلم. وهذا الاختلاف إنما هو في القدر المشروع لهم من الدين. أما الإيمان والقلوب ففي علم الله تعالى، وقد يقوم في قلب المفضول من الورع والتقوى حال أدائه دينه على نقصه ما يفوق به غيره، وكل امرئ واجتهاده. والله الموفق والهادي.
وبهذا انتهى ما كنت أردت كتابته بحمد الله، لكن أتممه بمسألتين.
=======
تتمة ...
الأولى أن قد يسأل سائل: وما الحكمة في نقص دين المرأة عن الرجل؟
¥