تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجواب أنا نوقن أن أفعال الله تعالى كلها معللة بأتقن الحكم، خلافاً للأشاعرة ومن نحا نحوهم من أهل البدع. لكن الحكمة قد تتضح حتى يعلمها كل أحد، كالحكمة من تحريم الزنا والخمر، وقد تخفى فلا يدركها إلا العلماء الراسخون، كالحكمة من تنوع العبادات وتشريع الحج وإراقة الأنفس بالجهادة، وقد تعمى علينا فلا ندرك منها شيئاً، وإنما نفوض علمها لله تعالى، وذلك كعدد الركعات واختصاص رمضان بفضل الصيام وغيرها.

وهذا القسم الأخير – الذي لا ندرك حكمته – من أهم ركائز العبودية، أن يفعل المرء الفعل لا لمصلحة يرجوها في الدنيا ولا لمناسبة يحصلها، وإنما لأن الله أمر به حباً وتعظيماً ورغبة ورهبة. وفي ذلك من اعتماد القلب والثقة بالرب وحكمته ما لا يخفى.

وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) فقالت: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، فرضي الله عنها ما أفقهها، ردت بذلك مع اتضاح الحكمة من مشقة قضاء الصلاة ويسر قضاء الصوم، وعظم الخسارة بفوات صوم لا يكون إلا مرة من العام، وهوان خطب صلوات تصلى كل يوم، لعلها أرادت أن تخرج من الإجابة عن فرع واحد، إلى الإجابة على أصل عظيم ينبني عليه من الفروع ما الله به عليم. فلو أنها أجابتها لاستفادت السائلة مسألة، ربما احتاجت أن تسأل عن مثلها في فرع آخر، فأجابتها برد كلي ينفعها في كل نظير لهذه المسألة. فرضي الله عنها ما أفقهها.

ثم نرجع إلى بحثنا في الحكمة من نقص دين المرأة، وقد مرّ في ثنايا الكلام لكن أعيده توضيحاً. فنقص الدين يعني قلة التكاليف، وفي هذا من الرحمة والتيسير ما يناسب طبيعة المرأة. ثم في هذا النقص شحذ الهمم وجعل المرأة تستغل ما بقي لها من دين. ثم فيه قلة أبواب الإثم حيث قلت الواجبات فأبيح لها من تركها ما لم يبح لغيرها. وهكذا يظهر لمتأمل أكثر.

ثم قد زادها الله عوضاً عما أنقصها، فشرع لها من مشاق الحمل والوضع والرضاع والتربية ما يكفر عنها ويرفع درجتها إن شاء الله تعالى. والله أعلى وأعلم.

بقي في البحث مسألة، وهي تفضيل جنس الرجال على جنس النساء. فهذا مجمل يحسن في مثله التفصيل.

فإن أريد به القوامة، أي أن الرجل أقدر على القيام بشؤون الأسرة وتولي أمرها من المرأة، فنعم ولا شك، كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) أي زائدة، وهي القوامة والطاعة وملك الطلاق، ونحو ذلك من لوازم القيام على الأسرة.

وإن أريد به اكتمال الدين، فنعم كذلك، لأنه يشرع لجنس الرجال من القرب ما لا يشرع مثله لجنس النساء، كالجهاد والقضاء والسلطان وغيرها. وهذا باعتبار الجنس، بتجريد المسألة من العوامل الأخرى كالعلم والغنى والجاه ونحوها. وقد مر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أذهب بلب الرجل الحازم من إحداكن).

أما إن أريد به الجملة، أي أن جملة الرجال خير من جملة النساء، فهذا لا أعلم عليه دليلاً. إلا أن يستدل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه: (تصدقن يا معشر النساء فإني رأيتكن أكثر أهل النار) لكن قد ينازع فيه بأنهن قد يكنّ أكثر أهل الجنة كذلك، ونفي هذا يحتاج دليلاً. ففي هذه المسألة بحث قد يطول. والله أعلم بالصواب.

أما باعتبار الأفراد، فلا شك لا يطلق بفضل الرجال ولا النساء، ففي الرجال أنبياء وليس في النساء نبي، وفي النساء من الفاضلات المحسنات ما ليس في أكثر الرجال. والله تعالى يقول: (إن أكركم عند الله أتقاكم). والله أعلم.

وبهذا تم ما شاء الله أن أسطر ساعتي هذه، فأردفه بخلاصة تجمع شتات ما تفرق:

1. ربنا سبحانه يفضّل بعض ما خلق على بعض بحكمته.

2. مطلق الفضل – وهو الفضل من وجه معين – لا يعني الفضل المطلق – أي الفضل في الحكم النهائي عند الله -.

3. الزيادة في النعمة والنقص فيها كلاهما ابتلاء، قد يرتفع به صاحبه وقد ينحط.

4. قد أخبر الصادق المصدوق صلوات الله عليه وسلامه أن النساء ناقصات دين، فهن كذلك. وعليه فدين جنس الرجال أكمل.

5. التفاوت في الدين المشروع لكل امرئ بحسبه، فيزداد بالغنى والقوة والسلطان والعلم ونحوها، وينقص بأضدادها.

6. النقص المذكور في الحديث هو في دين المرأة أي في القدر المشروع لها من الدين. وليس هو في إيمانها ولا قلبها ولا مجاهدتها.

7. هذا النقص في دينها له وجهان: رحمة من الله ورأفة أن خفّف عليهن ويسّر، وحكمة منه وعدل أن أنقص أجورهن وقُرَبهن.

8. قد يستكمل ناقص الدين من الأعمال المشروعة له ما يفوق به زائد الدين الذي قد فرط وضيع، بل والذي لم يفرط ولم يضيع.

9. نقص الدين قد يكون من وجه، ويكون فيه زيادة من وجه آخر.

10. شرع الله بالغ في الحكمة غايتها.

11. جنس الرجال يفضل جنس النساء باعتبار القوامة وزيادة الدين، أما الأفراد فكل امرئ وعمله.

هذا ما أعلم، والله أعلى وأعلم، وإليه أبرأ مما زل به القلم.

وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

==============

نقلاً عن منتدى المنهج

http://www.almanhaj.net/vb/showthread.php?t=2441

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير