ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى أن اليد بمعنى القدرة لا تأتي مثناة في لغة العرب، ألا يتعارض هذا مع حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم رقم (2937) في خروج يأجوج، ومأجوج " فيوحي إلى عيسى أني قد بعثت عبادا لا يَدَان لأحد بقتالهم ". وقد ذكر ابن الأثير والنووي وغيرهما أن المعنى: لا طاقة لأحد بقتالهم. فجاءت اليد بمعنى القدرة مع كونها مثناة؟
الجواب:
الحمد لله، نعم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم في ردهما على من يأول صفة اليدين في قوله تعالى {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص] بالقدرة ذكرا أن اليدين لا تأتي في اللغة العربية بمعنى القدرة، وقد ورد في كلامهما في مواضع التعبير بالـ (يدان) عن القدرة كما في مطلع القصيدة النونية:
حكم المحبة ثابت الأركان * ما للصدود بفسخ ذاك يدان
أي: قدرة،
ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي أورده شيخ الإسلام في الفتاوى 28/ 128: " .. إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه ورأيت أمرا لا يدان لك به، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام .. الحديث ".
وكذلك الحديث الذي أورد السائل ذكره في الفتاوى 1/ 44.
وهذا قد يشكل مع إنكارهما على من فسر اليدين بالقدرة؛ لأن ذلك لا أصل له في اللغة العربية.
والجواب: أن لفظ اليد مثناة لها في اللغة العربية استعمالات:
فتارة تستعمل غير مضافة، وتلزم الألف، وهذه هي التي بمعنى القدرة، تقول: لا يدان لي بهذا الأمر، أي لا قدرة لي عليه.
وتارة تستعمل مضافة إلى ضمير من قامت به، أو اسمه الظاهر كقولك: بيديّ، أو بيديه، أو بيدي محمد، ويجري فيها إعراب المثنى.
وهي في هذا الاستعمال لا تكون بمعنى القدرة، بل يتعين أن يراد بهما: اليدان اللتان يكون بهما الفعل، والأخذ، ومن شأنهما القبض، والبسط.
وبهذا يظهر ألا تعارض بين أنكراهما على النفاة تأويل اليدين بمعنى القدرة، لأن ذلك لم يرد في اللغة العربية، وبين استعمالهما (اليدان) بمعنى القدرة.
وهناك استعمالان آخران لليدين في اللغة العربية:
أحدهما: أن يعبر بهما عن الفاعل للفعل، وإن لم يكن باشره بيديه كقولك هذا ما فعلت يداك، ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [(10) سورة الحج]، ويأتي لفظ اليدين مجموعا إذا أضيف إلى ضمير الجمع كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [(182) سورة آل عمران]، ومنه قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس].
الثاني: استعماله مضافا إليه بعد (بين)، فيكون بمعنى أمام، كقولك: جلس بين يديه، و مشى بين يديه، ويجري هذا الاستعمال في العاقل، وغير العاقل كقوله تعالى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [(64) سورة مريم] وقوله {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} [(12) سورة سبأ] وقوله {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [(57) سورة الأعراف] ونظائر ذلك كثيرة.
فهذه أربعة وجوه من الاستعمالات:
ثلاثة منها مجاز وهي: الأول، والثالث، والرابع.
والثاني: حقيقة.
ويمتنع المجاز في اليدين إذا أسند الفعل لفاعل، وعدي إلى اليدين بالباء كقولك: عملت بيدي، ومنه قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص].
وأما إذا أسند الفعل إلى اليدين كقولك: هذا ما فعلت يداك، فهو من قبيل المجاز العقلي؛ لأنه عبر باليدين عن الفعل مطلقا، وإن لم يكن فعل بيديه.
وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص]، فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين،
وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم َ بيديه؛ فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس.
فمن جعل آية "ص" نظيرا لآية "يس"؛ فقد أخطأ فبين الآيتين فروق:
ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه، وعداه إلى اليدين بالباء، وذكر اليدين بلفظ التثنية، وأضافهما إلى ضمير المفرد.
وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم.
فيجب التفريق بين المختلفات من الألفاظ، والمعاني، والتسوية بين المتماثلات، والله أعلم.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[16 - 03 - 05, 09:36 ص]ـ
جزاكم الله عنا خيراً ....
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[16 - 03 - 05, 10:18 ص]ـ
ولكن سؤال: هل اثبات الصفة ينافي الاية؟
بمعنى ادق من فسر الصفة بالقوة وهو يثبت اليد صفة فهل نعتبره اول الصفة؟
وهل يجوز استعمال البيان بغير اثبات الصفة؟
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[17 - 03 - 05, 12:32 ص]ـ
يقول العلامة القرآني " الشنقيطي " رحمه الله:
(تنبيه
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة {بَنَيْنَـ?هَا بِأَيْدٍ}، ليس من آيات الصفات المعروفة)
إذاً لا تأويل أصلاً.
ننتظر تعقيب الشيخ (السديس)