وأستأذنك في التفكير بصوت عال –كما يقولون- لعلكم تلحظون موضع الإشكال في الأفكار:
الفرق بين من دخل مجلساً فابتدر الناس بمصافحة آحادهم وبين من قام له الناس فسلموا عليه، هو أن الصورة الأولى قد تفهم من بعض النصوص، والصورة الثانية لم يرد بها نص وليس هذا هو دليل منعها وقد أشار شيخنا المقرئ إلى هذا.
إذاً ما هو الدليل على المنع؟
الدليل فيما يظهر عند مشايخنا هؤلاء –متعني الله والقارئين بعلمهم- هو ورود الآثار بما يفيد أن بعضهم دخل المجلس فلم يسلم بل جلس حيث انتهى به ونحو ذلك.
وقد تقرر أن ترك الفعل مع قيام مقتضيه يدل على عدم مشروعيته.
وهذا كلام وجيه ولكن يشكل عليه:
- أن الترك هنا للمصافحة لم يثبت أنه كان في كل مجلس، والسنة لاحرج في تركها ولاسيما إن كان ثم موانع على الرغم من وجود المقتضي.
- والنصوص الأخرى تشعر بصحة المصافحة في المجالس لحديث كعب.
فإن قيل حديث كعب إنما قد يفهم منه ابتدار الجالسين مصافحة القادم لا العكس، أجيب بأن المنع كان بحجة ترك المصافحة في كثير من المجالس في كلا الصورتين، وهذا أثبتها في مجلس في صورة لافرق بينها وبين أختها فدل على أن الترك لم يكن لأجل عدم المشروعية بل قد يكون لائتلاف القوم وارتفاع الكلفة فبعضهم يلقى بعض في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم نحو خمس مرات. أو لأن تلك المجالس عامرة بالذكر والعلم وليست سنة المصافحة أولى منه فيقطع لأجلها، أو لأي مانع.
يؤكده:
حديث الترمذي عن حنظلة الأسيدي وكان من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بأبي بكر وهو يبكي.
فقال: ما لك يا حنظلة!
قال: نافق حنظلة يا أبا بكر! نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا رجعنا إلى الأزواج والضيعة نسينا كثيرا.
قال: فوالله إنا لكذلك، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فانطلقنا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما لك يا حنظلة! ".
قال: نافق حنظلة يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيرا.
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تدومون على الحال الذي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة وساعة وساعة".
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وهذا نص على جواز المصافحة في المجالس.
ووهو يدل على أن النصوص الواردة تشمل المصافحة في المجالس وغيرها، وأن إطلاقها لم يقم معارض صحيح يقيده، فالملائكة عباد مكرمون لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وخلاصة هذه الأفكار هي أن الترك هنا لايضر، وقد جاء في الحديث البراء: " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا"، فمثل هذا النص يعم كل مسلم، فمن من صيغ العموم والخلاف فيها ضعيف، ويدخل فيه أي مكان لعدم التقييد، فالنص جاء بندب المصافحة على العموم، ولم يقيد لها مكانا، والمطلق يصح بتحقق أي فرد من أفراد عمومه البدلي وعليه فالأصل أن من تصافحا في أي مكان فقد امتثلا السنة.
فإذا كان الأمر كذلك فوجود النص يمنع الاحتجاج بترك السلام في مواطن بعينها وإن كثرت لأنه كما نقل الترك دل النص على الجواز، إلاّ إن كان الترك علم بالدليل أنه مطرد في كل مجلس لا مجالس بعينها.
والله أعلم
لله درك أخي الكريم .... نفع الله بك وزادك علما وفهما .. فقد أفدت وأجدت ودللت ..
كثر الله من أمثالك (لصافحتكم الملائكة في مجالسكم .. )
كما استفدنا من هذا المنتدى المبارك .. لا عدمناكم ..
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[01 - 12 - 08, 03:53 م]ـ
من قال أن السلام على الجالس فيه انحناء مذموم وو ..
لا يخفى على الإخوة أن مثل هذا القول فيه من التعسف والتشدد والقول بغير علم والله المستعان.
ألا ترى أن هناك فرقا كما بين السماء والأرض على من قصد الانحناء (لذات الانحناء للشيء) وبين من انحنى ليصل إلى الشيء كمن ينحني ليسلم على طفل صغير أو رجل مقعد أو يقبل رأس والدته أو والده أو يقبل رضيع هل يقال أن هذا انحناء وفيه ما فيه ... سبحان الله كذلك السلام على الجالس ينحني الشخص لا لذات الانحناء للشيء وإنما لتصل يده إلى الجالس ...
¥