وأما استحلال الدماء والأموال فإن الشيخ الخليلي – عفا الله عنا وعنه – ينتقي ما يناسبه من كلام ابن بشر فيذكر ما أورده ابن بشر من شدة الإمام سعود بن عبدالعزيز رحمه الله مع أهل الإحساء (83) , دون أن يذكر عملهم المشين بقتلهم أمير الإحساء من قبل الدلو السعودية وثلاثين من العلماء بعد تعذيبهم وجرهم في الأسواق (84) , وكذلك الأمر بالنسبة للأموال فإن الشيخ الخليلي يبدي إنكاره وتعجبه من استيلاء رجال الدولة السعودية وأتباع الدعوة على أموال بعض أهل الرياض , وقضاء الشيخ محمد – رحمه الله – ديناً عليه أنفقه على طلبة العلم يقدر بأربعين ألف محمدية (85) , ودون أن يورد حديث الشيخ ابن بشر المتعلق بوقعة الرياض , وهروب أميرها وأكثر أهلها المؤيدين له وتركهم أموالهم , حيث قال بن بشر في حديثه عن هروب قسم من أهل الرياض (وتركوها خاوية عللا عروشها الطعام واللحم في قدروه , والسواني واقفة في المناحي , وأبواب المنازل لم تغلق , وفي البلد من الأموال ما لا يحصر , فلما دخل عبدالعزيز الرياض وجدها خالية من أهلها إلا قليلاً) (86) , وقد ترك الشيخ الخليلي – عفا الله عنا وعنه – إيراد ذلك ليوهم القارئ أن رجال الدولة السعودية دخلوا البيوت بالقوة واستولوا على أموال أهلها غصباً.
كما أن الشيخ الخليلي تناسى عمداً إطلاع قارئ كتابه على عبارات الشيخ ابن غنام حول وقعة الرياض التي يفهم منها مسير رجال السعودية في أثر الهاربين , ومساعدة الضعفاء منهم , اقتصار القتل على المعاندين أصحاب السوابق , والمناداة بالأمان لأهل الريا ض , وكف القتل عنهم إلا من كان مشهوراً بعداوته لأتباع الدعوة الإصلاحية , وقد جاء في حديث الشيخ ابن غنام من هروب أهل الرياض وموقف رجال الدولة السعودية منهم قوله (هذا والمسلمون قد جدوا في أثرهم ينقذون بالماء كل ضعيف وفقير , ويقتلون كل شيطان مريد , وكل ذي بأس شديد حتى وصلوا إلى الدلم
المعروفة وقطعوا تلك المفازة المخوفة , ونادى عبدالعزيز فيها بالأمان إلا من كان مشهوراً بالسوء بإعلان) (87).
وهذه أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت , وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون , والعصمة للرسل فقط , أما غيرهم فيؤخذ من كلامهم ويرد فقد يخطئ إمام الدعوة وعلماؤها في إنكارهم على مخالفيهم في بعض المسائل ,وقد يخطئ مؤرخو الدعوة ومنهم الشيخان ابن غنام وابن بشر في بعض العبارات التي يذكرونها واصفين بها مخالفي الدعوة , أو في تحليلهم لبعض الحوادث , أو مبالغتهم في الحديث عن معاملة أتباع الدعوة لخصومهم وعدد قتلاهم , إلا أن العبرة بعدم الاستمرار على الخطأ والاستعداد للرجوع إلى الحق عند وضوحه.
وهذه إمام الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ينفي عن نفسه ادعاء العصمة , ويعترف بالأخطاء التي قد تكون كثيرة , إلا أنه يطالب بعدم إهدار المحاسن من أجل بعض الأخطاء مهما كثرت هذه الأخطاء , فقد جاء في رسالة له إلى الشيخ عبدالله بن عيسى وابنه عبدالوهاب المخالفين له في بعض المسائل قوله (فإذا تحققتم الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن فإني لا أدعي العصمة) (88).
ويبدي الشيخ محمد – رحمه الله – استعداده للرجوع إلى الحق إذا تبين له ذلك فقد كتب الشيخ محمد رسالة إلى الشيخ عبدالله بن سحيم حول رأيه في كتاب أحد المعارضين فقال (وأنا أجيبك عن الكتاب جملة فإن كان الصواب فيه فنبهني وأرجع إلى الحق , وإذا كان الأمر كما ذكرت لك من غير مجازفة بل أنا مقتصر فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار) (89).
كما كتب رسالة إلى عبدالوهاب بن عبدالله بن عيسى يشير فيها إلى والده عبدالله بن عيسى حيث قال (وأشهد الله وملائكته أنه إن أتاني منه أو ممن دونه في هذا الأمر كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين) (90).
كما يبدي الشيخ رحمه الله استعداده لمناقشة مخالفيه كل في مذهبه كما يفهم من رسالته إلى محمد بن سلطان حيث قال (فأقول كل إنسان أجادله بمذهبه إن كان شافعياً فبكلام الشافعية , أو كان مالكياً فبكلام المالكية , أو حنبلياً , أو حنفياً ... فكذلك) (91).
¥