وقد سار أئمة الدولة السعودية وعلماء الدعوة الإصلاحية – رحمهم الله – على ذلك ومنه فتوى علماء الدرعية في العلامة التي تجعل في العبي وغيرها من الحرير حيث حكموا عليه بحرمة ما زاد على أربعة أصابع مضمومة وقالوا في آخر فتواهم (وأما من كان عنده علم عن الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة أو في غيرها فيعرضه علينا ونقبل ونرجع إلى الحق) , وقد كتب الإمام عبدالعزيز بن محمد – رحمه الله – بهذه الفتوى إلى البلدان وجاء في آخر كتابه قوله (ومن وجد دليلاً يخالف ما فيه فالحق مقبول والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل) (92).
وقد تحدث بعض الحالات في اجتهاد أحد أتباع الدعوة الإصلاحية فيتشدد في حكمه على بعض المخالفين له ويحكم بخروجه من الدين إلا أنه سيجد من يوجهه ويدعوه إلى الحق من علماء الدعوة أنفسهم , ومن ذلك إجازة الشيخ محمد بن إبراهيم العجلان (93) لاستعانة الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي بقوات الدولة العثمانية , واعتراض الشيخ حمد بن عتيق (94) على ذلك , وحكمه على الشيخ ابن عجلان بالردة , إلا أن الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن (95) بين خطأ الشيخ ابن عتيق في حكمه مع اعتراضه على الاستعانة بقوات الدولة العثمانية (96).
وهذا الطريق الصحيح وهو طريق العلماء الربانيين وهو الاستعداد للمناقشة وقبول الحق من أي جهة كانت , وعدم ازدراء الخصوم والفحش والفجور في مخاصمتهم , والتواضع بعدم الجزم بصحة الرأي وخطأ رأي الخصم بل إن الواحد منهم رحمهم الله كان يقول: إنه يعتقد أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي خصمه خطأ يحتمل الصواب.
وكان الأولى والأجدر بالشيخ الخليلي – هدانا الله وإياه – اتباع ذلك الأسلوب , وحصر النقاش في النقاط التي اختلف فيها مع الشيخ عبدالرحيم الطحان وهي المتعلقة بصفات الله عز وجل إلا أنه لم يعمل ذلك وقام مع محقق كتابه بمهاجمة أئمة الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية في الصفحات السبع عشرة التي سبق الإشارة إليها , وضمن الكثير من صفحات كتابه الآخر الكلمات النابية في حق علماء أهل السنة والجماعة في القديم والحديث فوصف سلف الأمة بالفجور (97) , ومنهم الإمامان الكبيران شيخ الإسلام ابن تيمية (98) وتلميذه ابن القيم (99) , فقد قال عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم , ونقل عمن يرضاه في عقيدته النصح بعدم الإصغاء إلى ما في كتبهما لأنهما كما يقول – عامله الله ومن نقل عنه بما يستحقانه – ممن اتخذ إلهه هواه , و أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصرهما غشاوة , ووصفهم بالإلحاد , وأن شيخ الإسلام ممن أضله الله على علم وممن افترى على الشريعة ونقل عمن سماهم بالكثير من العلماء تكفيرهم (100) له , ويتهم شيخ الإسلام بتأويل الأدلة بما يتفق مع هواه , ومتابعته لمذهب أرسطو (101) , جزى الله شيخ الإسلام خير الجزاء على ما قام به من عمل في الرد على المبتدعين وكشف شبهاتهم , وجزى الله ابن القيم خير الجزاء على ما كتبه من كتابات في الفقه والترغيب والترهيب استفاد منها العلماء والعوام رحمهم الله جميعاً.
وكان الشيخ الخليلي – عفا الله عنا وعنه – يعترض على أتباع الدعوة فيما يقول: إنه تكفيرهم لخصومهم إلا أنه يقع فيما ينهى عنه ويكفر مخالفيه ويقول عنهم إنهم كفروا بكتاب الله وجحدوا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وينقل كلامهم مبتوراً (102) كعادته في نقل كلام المؤرخ ابن بشر كما سبق الإشارة إليه , وقد شبه علماء أهل السنة والجماعة باليهود والمنافقين (103) في عدد من صفحات كتابه كما اعترض على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – واتهمه بتكفير من وصفهم بأنها أهل الحق (104).
أسأل الله تعالى أن يجزي أئمة الدولة السعودية وعلماء الدعوة وبخاصة الإمامان محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب خير الجزاء , وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه , ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب ..
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
* ملاحظة: من استطاع من الأخوة أن ينسق الموضوع على ملف ورود فليفعل وجزاه الله خير الجزاء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
83) الخليلي , مرجع سابق , ص 55 - 56.
84) ابن بشر , مصدر سابق , ج1 , ص 99.
¥