تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم الترحم والاستغفار للميت المبتدع. للشيخ سليمان العلوان]

ـ[يزيد الماضي]ــــــــ[20 - 03 - 05, 02:40 م]ـ

فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى

ما حكم الترحم والاستغفار للميت المبتدع؟

الميت المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام حكمه حكم عامة المسلمين تشرع الصلاة عليه ولا تجب على كل أحد و يدعى له بالمغفرة و الرحمة والرضوان.

ولا أعلم أحدا من أهل السنة قال بمنع الترحم و الإستغفار على أهل البدع مطلقا فهذا قول الخوارج المارقين وأهل الضلال المنحرفين عن الحق.

والأصل الجامع في ذلك أن كل من قال لا إله إلا الله وشهد أن محمدا رسول الله ولم نعلم عنه كفرا ظاهرا فإنه يصلى عليه و يستغفر له فإن الله تعالى حين منع من الإستغفار للمشركين في قوله (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ... ) كان هذا دليلا على جواز الإستغفار على أهل البدع والمعاصي المعدودين في أهل القبلة.

وقد ظن بعض الناس أن امتناع بعض أئمة السلف من الصلاة عليهم دليل على منع الترحم عليهم وهذا من الظن الكاذب المخالف للكتاب والسنة والإجماع.

فما زال المسلمون في المشرق و المغرب يصلون على كل من أظهر الإسلام ما لم يعلم عنه نفاق أو ردة فمن علم منه ذلك فتحرم الصلاة عليه.

و من لم يعلم منه ذلك فلا يجوز التقرب لله بترك الصلاة عليه إذغ لم يكن في ذلك مصلحة ظاهرة فقد كان بعض أئمة السلف يمتنعون من الصلاة على أهل الأهواء و المجاهرين بالمعاصي لينتهي أهل البدع عن بدعهم وأهل المعاصي عن شهواتهم فهو من باب إنكار المنكرات وتحصيل المصالح العامة للمسلمين وهذا العمل سائغ للمصلحة وله نظائر في الشرع.

فقد ترك النبي صلى الله عليه و سلم الصلاة على قاتل نفسه. رواه مسلم في صحيحه (978).

وترك الصلاة على الذي عليه دين و لم يترك وفاءً و قال للمسلمين (صلوا على صاحبكم). رواه البخاري (2298) ومسلم (1619).

وترك الصلاة على الغال رواه أحمد (4/ 286) وأبو داود (2710) والنسائي (4/ 64) وابن ماجه (2848) وفي اسناده اختلاف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (24/ 286): (وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الإستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}).

وقال في منهاج السنة (5/ 235): (فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الإستغفار له والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق لكن لايجب على كل أحد أن يصلي عليه وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة و المظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعا لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لايصلى عليه).

وبالجملة فالإستغفار للمشركين و الكفار محرم شرعاً وأدلته كثيرة وهذا من المجمع عليه.

والإستغفار على من دون هؤلاء من أهل القبلة مشروع بالإتفاق ولم يخالف في ذلك غير الخوارج والمعتزلة فإن الخوارج أول من كفر أهل القبلة بالذنوب ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب ويستحلون دماء المسلمين وقد نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان). رواه البخاري (3344) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد.

ويخالفونهم في الحكم عليهم في الدنيا فهم بمنزلة بين منزلتين فلا هم مؤمنون يشرع الإستغفار لهم ولا هم كفار مبعدون وهذا باطل بأدلة كثيرة قال تعالى {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} فقد فرق الله بين الكفر والفسوق والعصيان وجعلها ثلاث مراتب:

الأولى: الكفر.

الثانية: الفسوق وليس بكفر.

الثالثة: العصيان وهي مرتبة دون الفسق فهو عاص وليس بفاسق والخوارج لا تفقه هذه الحقيقة وتجعل الفسق كفراً.

وقال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}.

فقد وصف الله الطائفتين المقتتلتين بالإيمان والأخوة وأمر بالإصلاح بينهما وهذه الآية من أحسن ما يحتج به على الخوارج والمكفرين بالذنوب.

وقال تعالى: {إن الله لايغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. فجعل الله تعالى مادون الشرك معلقاً بمشيئته فليس هو بكافر كما تقوله الخوارج.

وأحاديث الشفاعة وإخراج الموحدين من النار متواترة وهي قاضية على مذهب الخوارج وأهل الإرجاء.

وفي صحيح مسلم (116) من طريق حماد بن زيد عن حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يارسول الله: هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: (حصن كان لدوس في الجاهلية) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار. فلما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع، فأخذ مشقاص له فقطع بها أوداجه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه، فقال له ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: مالي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه اغفر).

وهذا الحديث الصحيح من أجود ما يحتج به على الخوارج المكفرين بالكبائر والمرجئة القائلين بأن المعاصي لاتضر. والله أعلم.

قاله

سليمان بن ناصر العلوان 11/ 6/1421

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير